يبدو أن النقاش الخاص بتعديل مدونة الأسرة، تحوّل إلى “مواجهة مفتوحة” بين المحافظين والحداثين، بعد أن كثّف إسلاميو العدالة والتنمية بقيادة عبد الاله بنكيران الأمين العام للحزب، “هجومهم” على المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي تقدم بمقترحات خاصة بالتعدلات المتعلقة بورش تعديل مدونة الأسرة الذي أطلقه الملك محمد السادس؛ هذه المقترحات التي “لم ترق” بنكيران وإخوانه.
حزب العدالة والتنمية، إنطلق في اتهام المجلس الوطني لحقوق الانسان بكونه لم يلتزم في مقترحاته “إطلاقاً بالاطار والمرجعية والثوابت الوطنية والدستورية والملكية والمجتمعية لورش إصلاح مدونة الأسرة”، كما جاء في مذكرة أصدرها “البيجيدي” خصيصاً للردّ على المذكرة التي تقدم بها المجلس إلى الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة. كما أنّ إسلاميو “البيجيدي” لا يفوتون فرصة إلاّ ويكيلون الاتهامات لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، أمينة بوعياش، بكون أن ” المصادقة على المقترحات على مشروع مذكرة المجلس بعد مناقشتها والتداول بشأنها خلال دورة الجمعية العامة التي انعقدت يوم 20 دجنبر 2023، تمت في نفس اليوم الذي قدم فيه المجلس هذه المذكرة إلى الهيئة”، مشككاً (البيجيدي) في مدى إحترام المجلس لحق أعضائه في “المناقشة الحقيقية” وفي “التعديل” قبل المصادقة على المذكرة.
“البيجيدي” اعتبر، حسب مذكرته التي أصدرها رداً على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هذا الأخير “اعتمد على المرجعية الدولية، وعندما يحصل تعارض مع هذه المرجعية والمرجعية الاسلامية، لايتوانى المجلس في جعل الأولى “حاكمة” على المرجعية الثانية”.
ولم يتردد الإسلاميون في وصف المجلس بأنه يتصرف مثل “جمعية” أو “حزب” يدافع عن “إيديولوجية معينة” عوض أن يتصرف كمؤسسة دستورية تحترم “ثوابت البلاد”.
اتهامات “البيجيدي” خطيرة جداً، و”تمس” بمؤسسة دستورية يعين رئيسها الملك محمد السادس، وإسمها ومهامها مرتبطة بمجال حقوق الانسان، الذي قرّر المغرب منذ سنوات السير على نهج تطويرها وإجراء إصلاحات جذرية من أجل مواكبتها وترسيخها داخل المجتمع.
في المقابل كشف مصدر مطلع لـ”الأول”، أن “المجلس الوطني لحقوق الانسان لن يردّ على اتهامات بنكيران، ببساطة لأنه فاعل أساسي في الهيئة التي كلفها الملك بمراجعة مدونة الأسرة”.
كما أضاف ذات المصدر: “هناك مغالطات كبيرة يتم الترويج لها في خرجات قيادة العدالة والتنمية، لأن المجلس اشتغل على هذا الملف منذ سنوات وليس اليوم، حيث أنه شكل لجنة من داخله مكلفة بصياغة مقترحات يتم عرضها على أعضائه في جمعية عمومية، وذلك في بداية سنة 2023 أي قبل القرار الملكي، وذلك من صميم عمله الحقوقي”.
وتابع ذات المصدر، “بعد أن أنجزت اللجنة مقترحاتها تم عقد جمعية عامة في 16 يونيو 2023، حيث عرضت اللجنة المعنية عملها وناقش أعضاء الجمعية العامة مضمون عملها بكل حرية وتمت المصادقة على المخرجات، مع العلم أن أغلب المقترحات سواءً الخاصة بالزواج والطلاق والولاية الحضانة والارث والوصية وغيرها من النقاط التي أثارها البيجيدي واعتبرها خلافية، سبق للمجلس أن عبّر عن موقفه منها في تقاريره السابقة وليست أول مرة فيكفي الرجوع إلى تقاريره التي أصدرها للإطلاع على ذلك”.
وأوضح المصدر، “عقب بلاغ الديوان الملكي وتشكيل اللجنة عقد المجلس الوطني لحقوق الانسان جمعية عامة في دجنبر الماضي استمرت من العاشرة صباحاً إلى الساعة الثانية بعد الزوال، تمت فيها المناقشة والمصادقة على الصيغة النهائية التي تقدمت إلى الهيئة التي كلفها الملك بالاشراف على النقاش وصياغة التعديلات الخاصة بمدونة الأسرة”.
وأشار المصدر إلى أنه “وعكس مايروج ليس هناك أيّ صراع مع المجلس العلمي، كما أن المجلس الوطني لحقوق الانسان، وحسب القانون، يضم في عضويته عضوان ينتميان للمجلس العلمي أحدهما كان عضواً في اللجنة التي شكلها المجلس من أجل إعداد مقترحات التعديلات، وساهم في العمل الذي قام به المجلس، وبخصوص ما يقال عن إنسحاب عضو المجلس المجلس العلمي من الجمعية العامة، أولاً، هو لا يمثل المجلس العلمي لأنه أصبح وفقاً للقانون عضواً بالمجلس الوطني لحقوق الانسان مثله مثل باقي الأعضاء، ثانياً، الأمر يتعلق بمسألة تنظيمية تخصّ الوقت المحدد للمداخلات، فالعضو المعني يرفض في كلّ مرة الانضباط للوقت، وعندما تتم مقاطعته من طرف المسير يغضب وينسحب، وللإشارة فهي ليست المرة الأولى التي ينسحب فيها، وبالتالي لا يجب تحميل هذه الواقعة أكثر من حجمها واعتبارها صراعاً فكرياً أو إيديولوجياً داخل مؤسسة دستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الانسان”.
وحول ما إذا كان من المفروض أن لا يقدم المجلس الوطني الانسان، مذكرة للهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، وهو عضو أساسي فيها، خصوصاً أنه سيكون طرفاً في التداول داخلها، قال المصدر: “غير مفهوم هذا الطرح ولماذا يوجه فقط للمجلس الوطني لحقوق الانسان في حين أن مؤسسات أخرى تقدمت بمذكرتها مثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل أيضاً، وهي عضو في الهيئة ولا يتم الحديث عنها”.
ويرى متتبعون أن بنكيران ومعه “البيجيدي” وجدوا ضالتهم مرة أخرى، في قضية تعديل مدونة الأسرة من أجل العودة للواجهة السياسية والمجتمعية من خلال التشبث بـ”الخطاب المحافظ” و”مواجهة” الأصوات التي تنهل في موقفها من المرجعية الحقوقية الكونية.
وكان الملك محمد السادس، قد دعا الحكومة إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة، بعد سنوات من مطالبات جمعيات نسائية بإدخال إصلاحات عليها.
وذكر الديوان الملكي المغربي، أن الملك أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة عزير أخنوش تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ورفع التوصيات إليه خلال ستة أشهر.
وقال البيان، إن “الرسالة الملكية تأتي تفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام”.
وأضاف البيان، أنه “بموازاة تكليف جلالة الملك، لرئيس الحكومة، من خلال هذه الرسالة، فقد أسند الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع”.
كما دعا الملك محمد السادس الوزارات والمؤسسات بأن “تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين”.
وأكد الديوان الملكي أن مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات سيتم رفعها للملك محمد السادس، في أجل أقصاه 6 أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.
انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات
أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …