أكد النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، أن المأزق الاقتصادي الذي عرفه العالم، بجانب التحديات الجديدة التي يواجهها النظام العالمي من قبيل الصراعات التجارية ومستجدات الثورة الصناعية الخامسة وإعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية وانعكاسات ذلك على منظومة الإنتاج وخلق القيمة المضافة ورهانات السيادة الصحية والطاقية والغذائية، يحتم على البرلمانيين الإضطلاع بأدوارهم الكاملة في الدفاع عن المصالح الفضلى للشعوب، من خلال العمل على ابتكار تشريعات جديدة قادرة على مواكبة التحولات ومواجهة التحديات، بالإضافة إلى ضرورة العمل والتنسيق مع الفاعلين الحكوميين لبناء نماذج اقتصادية دامجة وقادرة على تحيين الممارسات الاقتصادية، لتكون في مستوى التحديات الاقتصادية المطروحة علينا.
وأبرز ميارة في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى البرلماني العالمي، المنعقد في إطار الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أنه ينبغي العمل، خاصة على مستوى إعداد الموازنات، على تبني منهجية توجه الاستثمار العمومي إلى استثمارات أكثر نجاعة وإدماجا لكل فئات المجتمع، بأسلوب ذكي مبني على النجاعة والنتائج، وذلك باستحضار دائم لأهمية الإصلاح المستمر للمنظومات الجبائية الوطنية وتطوير أبعاد الحكامة والمسؤولية غفي آليات المالية العمومية.
وأشار رئيس مجلس المستشارين، إلى أن العالم يجتاز اليوم فترة مليئة بالتحديات الاقتصادية الكبرى، فمستويات نمو الناتج الداخلي الخام العالمي لا زالت لم تسترجع مستوياتها الطبيعية، حيث سجلت سنة 2022 نسبة نمو في حدود 3.5% لتصل إلى حدود 3% سنة 2023 وسنة 2024.
بالإضافة إلى ذلك، أشار المتحدث إلى أن معدلات التضخم تسجل مستويات قياسية وصلت إلى 8.7% سنة 2022 وإلى حوالي 6.8 سنة 2023 وستصل 5,2% سنة 2024، مشيرا إلى أن هذه المعطيات تؤكد أن “عالمنا يجتاز مرحلة ركود تضخمي (Stagflation) بمجموعة من دول العالم”.
وبالموازاة مع هذه “المعطيات الاقتصادية المقلقة”، أفاد النعم ميارة، بأن عالمنا يعيش على وقع استمرار تحديات الحرب في أوكرانيا وتقلبات أسواق الطاقة واستمرار الخلل على مستويات سلاسل القيمة والإمداد وأزمة الأمن الغذائي، بالإضافة إلى استفحال ظاهرة التغيرات المناخية وتراجع عدد كبير من المؤشرات الاجتماعية خاصة في دول الجنوب. كما تسجل معطيات صندوق النقد الدولي استمرار المديونية العالمية في نسق تصاعدي لتناهز حسب آخر تحديث 238% من الناتج الداخلي العالمي.
ولفت رئيس الغرفة الثانية إلى أن المؤسسات المتعددة الأطراف مدعوة إلى مواكبة النماذج التنموية الوطنية الجادة، من خلال وضع منظومة متقدمة للمواكبة التقنية لاستراتيجيات الدول في التحول التنموي، القادر على توفير “منصات اقتصادية سيادية” تمكن من توفير شروط انبثاق إطار اقتصادي، خالق للفرص للجميع وخاصة الشباب من جهة، وتمكن من تعزيز الفرص الاقتصادية للمقاولات، خاصة المتوسطة والصغيرة من جهة أخرى، لأن النمو الغني بفرص العمل يبقى هو الحل الأمثل للإدماج والقضاء على الفقر بكل أبعاده.
ومن جانب آخر، يضيف ميارة، “فمؤسسات التمويل المتعدد الأطراف وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يوجدون في صلب الديناميات التنموية لكل دول العالم، وهم مدعوون بالتنسيق مع الحكومات على ضرورة تطوير أساليب مبتكرة من أجل تقوية تسخير الاستثمار والتمويل المؤسسي لصالح التنمية، وفق أجندة تهم الأولويات المرتبطة بمكافحة التغيرات المناخية وتعزيز تنفيذ التزامات الدول في موضوع الهجرة وتقليص الفجوة الرقمية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، علاوة على بناء جيل جديد من المبادرات المتعلقة بتعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة والشباب، وذلك بالإضافة إلى وضع إطار عالمي جديد من أجل معالجة “أعباء الدين”، التي تثقل كاهل العديد من الاقتصادات منخفضة الدخل والاقتصادات الصاعدة، وتفرمل قدرتها على الاستثمار في التعليم والحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وتطوير البنية التحتية”.
ودعا رئيس مجلس المستشارين، الشبكة البرلمانية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي للتفكير في بلورة تصور عملي لبناء “أجندة برلمانية عالمية من أجل تحول تنموي منصف ودامج”، تمكن من وضع دليل للممارسات الاقتصادية الفضلى، ومواكبة البرلمانات الوطنية في تقوية مسارات إعداد الموازنات العامة على المستوى التقني من أجل تحسين نجاعة وإدماج الاستثمارات العمومية من جهة، وتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من جهة أخرى، بالإضافة إلى تكوين البرمانيين وأطر البرلمانات في الآليت الجديدة للتشريع المتعلق بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي “AI” والمالية المشفرة وتخزين البيانات الكبرى “Big Data” ومكافحة الجرائم المالية والالكترونية، وغيرها من التشريعات الخاصة بالتحديات الاقتصادية الجديدة.
وأبرز ميارة في ختام كلمته أن الاهتمام بالقارة الإفريقية، يشكل أحد المداخل لأسس نظام اقتصادي عالمي عادل ومنصف، مشددا على أن هذه القارة “تحتاج اليوم جهود دولية كبيرة، خاصة من مؤسسات التمويل المرجعية العالمية، من أجل سد الفجوة التنموية بين دول القارة ودول الشمال.
كما دعا المتحدث المتدخلين الماليين العالميين من أبناك وصناديق استثمار إلى العمل على ابتكار أساليب تمويل ملائمة لحاجيات القارة الإفريقية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار في إمكانيات منطقة التبادل الحر القارية (ZLECAF، وتعزيز الربط اللوجيستي بين دول القارة وتطوير منصات صناعية وفضاءات عمل المقاولات الناشئة(startups) ودعم الإنتاج الفلاحي لضمان السيادة والأمن الغذائي، وذلك من أجل تعزيز التجارة البينية القارية، كمدخل أساسي لتقوية المنظومات الاقتصادية للدول الافريقية.