قال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، إن “التحولات التي عرفها المغرب أدت إلى نمو ثقافة الحرية، وأحدثت استعدادا سوسيولوجِيا وفكريا لاستِيعاب مفاهيم الحرِية والاستقلالية”، مشددا على أنه لا يسعنا بالتالي إلا العمل على إعادة قراءة الدّين والقيم بما يتوافق مع تلك المتغيرات والتحولات، دون أي مصادمة مزعومة بين الحقوق الكونية والثّوابت المحلية.

وهبي الذي كان يتحدث، أمس الثلاثاء، في لقاء فكري حول الحريات الفردية والثوابت، بالرباط، عدد ما يعيشه المغرب من تحولات اجتماعية عميقَة يجعل الموضوع ليس من باب الترف، بل يتعلَق بالانتقَال الاجتماعي الذي يشهده المغرب.

في السياق ذاته انتقد وزير العدل، طريقة اعتقال المتورطين في الخيانة الزوجية، بسبب ما يرافق هذه العملية وفق تعبيره من “هيلالة” و”تشويه”، مضيفا أن ذلك دفعه لتغيير مسطرة حالة التلبس في الخيانة الزوجية.

وأضاف وهبي أنه عندما نجد امرأة ورجلا في حالة خيانة زوجية، فيمكن متابعتهما دون تشويه صورتهما، لأن ذلك له تأثير على الأبناء في المدرسة.

وفي هذا الإطار، أشار وزير العدل إلى أن طفلين انتحرا لهذا السبب، إضافة إلى عواقب هذه الطريقة من الاعتقال على عائلتي المتورطين في الخيانة الزوجية، مضيفا أن “العائلة كلها تذهب ضحية، أننا لم نقم بالإجراءات وفقا للقانون”.

وزاد بالقول إن “الرسول صل الله عليه وسلم، قال 4 شهود، نحن في المغرب، يأتي مفتش شرطة ويحرر لك محضرا، ويثبت عليك واقعة الخيانة الزوجية”، مضيفا: “وإذا جاء 3 ولم يأت رابعهم يجلد الثلاثة ومنعت شهادتهم ما داموا أحياء”.

وأضاف المتحدث، أن الأمر تطور إلى اعتبار القبلة خيانة زوجية أيضا، والتراسل على و”اتساب”، مضيفا أن “هذه الأمور أصبحت معقدة ولا أعرف لماذا”، مضيفا أنه حل مثل هذه المشاكل لا يجب أن يكون على ظهر العائلة والأقارب والأبناء والأطفال الصغار في المدارس.

وذكر وهبي أن أما متورطة في الخيانة الزوجية لم تعد قادرة على الذهاب لعملها، ونفس الشيء بالنسبة لأطفالها الذين لم يستطيعوا متابعة دراستهم، داعيا إلى “السترة” أثناء اعتقال المتورطين في الخيانة الزوجية تفاديا لمثل هذه المشاكل.

الإسلام مجد وصان الحريات الفردية

وقال وزير العدل، إن “الإسلام مجد وصان الحريات الفردية،” إذ “لا توجد في الدين الإسلامي مؤسسة تتوسط بين الله عز وجل والإنسان المؤمن، هذا الأخير له الحرية وفق تجربته وظروفه وخصائصه في عيش إيمانه ومعتقداته بمرجعية القرآن الكريم والحديث النبوي الطاهر”.

وأوضح وهبي أن حُرمة الحياة الخاصة للفرد تمثلت في تحريم الإسلام للتّجسس “ولا تَجَسّسوا ولا يَغْتَبْ بعضُكم بعضًا” (سورة الحجرات). كما تمثلت في تنصيصه على حُرمة المسكن في قوله تعالى في سورة البقرة :”وليسَ البرُّ أن تُوَلُّوا البُيُوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتُوا البُيُوتَ مِن أبْوَابها”.

وأضاف “الحريات الفردية: بين القيم الكونية والثوابت الوطنية”، “صحيحٌ أن هذا لم يمنع من ظهور زعاماتٍ تدَّعي احتكار الفهم الصحيح للدّين وتعمل على فرض سلطتها على المؤمنين لكن ذلك يعد ظاهرة سياسية وليست انبثاقا من أي نزعة أرثدوكسية مزعومة في الإسلام”.

الحريات الفردية تستجيب لمقتضيات الحادثة ولا تتعارض مع روح الإسلام

ويرى وزير العدل خلال اللقاء الذي نظمه مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، أن الحريات الفردية مصلحة وطنية تستجيب لمقتضيات الحداثة ولا تتعارض مع روح الإسلام إذ أن الحداثة والإسلام يتشاركان في القيم العليا نفسها وهي الحرية، والكرامة، والمساواة، والعدل، والعفو، والمحبة، والرحمة، والحكمة.

ومضى مؤكدا أنه مخطئ من يدرج الحريات الفردية ضمن الكماليات التي يمكن تأجيلها إلى ما بعد كسب معارك الديمقراطية، مستطردا بالقول: “هذا خطأ يجب تصويبه ذلك أن الحريات الفردية هي الجبهة الأساسية لمعارك التقدم كلها”.

وأبرز المتحدث، أنه بالرغم من أنَّ مفهومَ الْحرِّيات له تاريخ تداوليّ محدود وقصير الزَّمَنِ، إلا أن ما يعيشه المغرب من تحولات اجتماعية عميقة يجعل الموضوع ليس من باب الترف، بل يتعلق بالانتقال الاجتماعي الذي يشهده المغرب.

وأوضح وهبي، أن المغرب شهد إصلاحات قانونية هامة سواء لتحديث العلاقات المهنية والاقتصادية أو محاولة لتخليق الحياة العامة، والقضاء على الفساد المالي والإداري، إلا أن ورش إصلاح القانون الجنائي بقي مؤجلا.

وفي هذا الإطار، قال المسؤول الحكومي، إن الحياة العامة للمغاربة بقيت تحت قانون جنائي متقادم ومسيء لمجمل المكتسبات الديمقراطية والحداثية التي حققها الشعب المغربي بإرادة ملكية وحماس وطني.

وشدد على أن “الملك باعتباره أميرًا للمؤمنين هو الكافل لحقوق المواطنات والمواطنين والضامن لحرياتهم بمقتضى الدّستور، في إطار من الالتزام بثوابت الدين وكلياته ومنظومة قيمه الكونية”.

وهو ما يُفسر، بحسب المتحدث، “تشبّث ملوك المغرب إلى اليوم بمبدأ الشرعية، وتشديدهم على أنهم لا يُحلّون حرامًا ولا يُحرمون حلالا”، مذكرا بقول الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان عام 2003 “لا يمكنني بصفتي أميرًا للمؤمنين أن أحلَّ ما حرَّم الله وأُحَرِّم ما أحلّه”.

واعتبر أن توسيع الحريات الفردية في مشروع إصلاح القانون الجنائي المغربي هو انسجام أولا مع التداعيات الاجتماعية التي تخلقها السياسة الاجتماعية التي باشرتها الحكومة منذ اعتلائها القرار الحكومي بالبلاد.

وعاد للتأكيد على أن “الدفاع عن الحريات الفردية اليوم في إطار مشروع إصلاح القانون الجنائي المغربي ليس تَرفا فكريا ولا هو قضيةَ نخبة “تتعالم” بها على مجتمعها. بل هو من صميم الدفاع عن التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمعنا التَّواق للتَّقدم والازدهار”.

انتهاك لأحد حقوق الله

وهبي اعتبر أن “تحريض الناس على التدخل في الحريات الشخصية لبعضهم البعض لا يعني مُجرّد انتهاك للكرامة الإنسانية، حيث يتمّ التعامل مع الناس باعتبارهم قاصرين يحتاجون إلى الحِجر والوصاية، بل إنه انتهاك لأحد حقوق الله، الحقّ في الثواب والعقاب، لا سيما بخصوص القناعات الشخصية”.

لقد أجمع المسلمون في سياق التديُّن الشعبي والفطري، يضيف وزير العدل، “على ضرورة إِرْجَاءِ أحكام الله للآخرة، وتركها لله حصرًا، تماشيًّا مع منطوق الخطاب القرآني الذي يقول، “الله يَحْكُمُ بينكم يوم القيامة فيما كُنتم فيه تَخْتلفُون” الحج 69.

ولفت وهبي إلى أن الله يقول في موضعٍ آخر من كتابه العزيز “ثمّ إليَّ مَرجعُكم فأحْكُمُ بينكم فيما كُنْتُم فيه تَختلفون” آل عمران 55، مضيفا أنه بهذا المعنى الربّاني تكون التعدُّدية الدينية قدَرًا دنيويا لا رَادّ لَهُ، وبالتالي فإنّ التعددية الدنيوية تتبع القدر نفسه”.

التعليقات على قبل الإفراج عن مشروع القانون الجنائي.. وهبي: الإسلام مجد الحريات الفردية ويجب إعادة قراءة الدين مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة

أكد عز الدين الماحي، قاض ملحق برئاسة النيابة العامة، أن هذه المؤسسة القضائية تضطلع بأدوار …