لبنى بوشارب*
تعرف مدينة الدار البيضاء، على غرار مختلف المدن المغربية، فوضى عارمة في مختلف الأماكن سواء الشارع الذي يحتله حراس السيارات الذين يتكاثرون يوما بعد يوم، أو أصحاب المظلات الشمسية الذين يستغلون شاطئ عين الذئاب، خلال عطلة الصيف، من أجل كرائها للزوار الراغبين في الاستجمام؛ يقعُ كل هذا في ظلّ غياب أي تدخل من السلطات الولائية والمنتخبة لمواجهة الانتشار الكبير لهؤلاء.
المواطنون تحت رحمة حراس السيارات “غير المرخص لهم”
في شارع كورنيش عين الذئاب هناك العديد من حراس السيارات، حراس يختلفون في الملامح والعمر، وأيضاً، في السلوك والمعاملة، والأهمّ أن التسعيرة التي يفرضونها على أصحاب السيارات غير موحدة حيث تتراوح ما بين درهمين إلى عشرة دراهم أو أكثر في بعض الأحيان؛ وهنا في شارع “الكورنيش” لن تجد مكان فارغا. المساحات كلها مكتظة بالسيارات.
يقف أحد حراس السيارات صامدا أمام المقهى، يقاوم حرّ شمس أواخر شهر يوليوز بقبعته السوداء وقمصيه الأصفر الذي يعرف به كل “كارديان” في المدينة، في البداية تردد بعض الشيء، من أجل التواصل مع “الأول”، لكنه سرعان ما انطلق في الحديث، قائلاً: “أعمل هنا منذ ثلاثين سنة، وهذه المساحة التي تركن فيها ثمان سيارات تعيش من مدخولها ثلاث عائلات، أنا وصديقي الذي يتناوب معي على حراسة هذا المكان بالإضافة إلى السيدة المسؤولة عن إستئجار المكان، والتي تتولى بدورها مسؤولية ابنيها المعاقين.
وأضاف أيضا، “أما بالنسبة للزبون فأنا اتصرف معهم بسلوك جيد، وهذا ما يجعلهم وفيّين لهذا المكان ولا أفرض عليهم أي ثمن، كل ما يقدمونه أتلقاه بكل حب، وحسن معاملتي يجعلهم يقدمون لي الأكثر ومن لم يكن بحوزته بعض الدراهم أتركه إلى مرة أخرى، هكذا أعمل بأخلاقي أولا”.
وفي نفس الشارع لفت انتباهنا قميص “أصفر” آخر لرجل في الخمسينات من عمره، يغزو الشيب شعره، عيناه حمراوتان من قلة النوم، جالس على كرسيه أمام مجموعة من السيارات، عبد الرحيم.. هكذا قدم لنا نفسه حارس سيارات منذ سنة 1978، أخبرنا أن “الحراس الذين يعملون خلال الصيف، همّ من يحددون هذه الأثمنة المرتفعة أما الحراس الذين يعملون طوال السنة لديهم أثمنة محددة في درهمين إلى ثلاثة دراهم ومن قدم لنا أكثر هذا جيد لنا”.
وقال إن لديه “رخصة عمل لسنة 2021 حيث كان كل شيء منظم، لكن هذه السنة قدمنا طلب الرخصة ولم نتلقى جواباً، وأيضا أنا أطالب المسؤولين بمراقبة هذا المجال”.
تركنا عبد الرحيم، وتوجهنا نحو موقف السيارات الخاص بمركز الألعاب بـ”سندباد” المليء بالسيارات، وعلى قول الحارس الذي يرتدي قميصا مكتوبا على ظهره “سندباد” أن هذا المكان “محسوب على سندباد وله ثمن خاص، وهو 10 دراهم وكل من يدخل سيارته هنا يدخلها بكامل حريته لأنه آمن أكثر من الأمكنة الأخرى”.
وفي المقابل، يوجد “باركينغ” تابع لمجلس المدينة، لكن الغريب هو أن أصحاب السيارات، اختاروا عدم الذهاب إليه وفضلوا حارس سيارات يوجد بالمقربة منه، عندما حاولنا معرفة السبب شرح لنا حارس السيارات الذي يتقاسم المكان مع حارس أخر، وكل هذا طبعاُ من دون ترخيص من السلطات؛ قال: أنه حدد سعر السيارة في 10 دراهم طيلة اليوم، بينما “الباركينغ” الخاص بمجلس المدينة سعره مرتفع، حيث أن سعر الساعة الواحدة 5 دراهم وإذا تجاوزتها بساعة تكون مضطراً لإضافة 3 دراهم وبعدها 2 درهمين وهكذا كلما بقيت السيارة مركونة تكون مجبرا على الدفع وهو ما يفسر هروب الزوار من الباركينغ”.
من جهة أخرى، قال عزّ الدين، شاب في الثلاثينات من عمره يركن سيارته في الشارع إنه يؤدي “ما بين 3 دراهم إلى خمسة دراهم أو أكثر على حسب معاملة وسلوك الحارس، حيث هناك من يستحق الأكثر وهناك من لا يستحق”، على حدّ تعبيره.
وأضاف:” لا يعقل أن أضع السيارة بضع ثواني أو دقائق واعطي ثمن “الباركينك” هذا الأمر مزعج، وأنا كمواطن لن أعطي 3 دراهم أو درهمين لمجرد وقوفي خمسة دقائق، اذا بقيت على هذا الحال فحراس السيارات سياخدون نصف المال الذي أكسب، وهذا لا يعقل.. والأمر الثاني هو ارتفاع عدد حراس السيارات وهذا يجعلك تشك. هل هو فعلا حارس أم لا؟، لذلك يجب على المسؤولين أن يقوموا بالمراقبة عبر تكثيف الدوريات، وإلزام الحاصلين على صفقات كراء مواقف السيارات بمنح الحراس شارات، وليس ترك الأمور عشوائية هكذا، بالإضافة إلى تخصيص لباس موحد لهؤلاء وعدم منحه لأي كان”.
فوضى أصحاب “البارسولات” تحت أعين السلطات
ليس هذا وحده المشكل الذي تعاني منه مدينة الدار البيضاء، في فصل الصيف ومع توافد الآلاف من الزوار على شاطئ “عين الدياب”، يطفوا على السطح وجهٌ أخر لـ”احتلال الملك العمومي”، وهم أصحاب “الباراسولات”، الذين قسموا بينهم مساحات الشاطئ، حيث لا تستطيع أن تجد مكاناً فارغاً إلاّ ويقف فيه أحد الأشخاص يعرض عليك أن تكتري منه مظلة شمسية “باراسول”، ولا يترك لك الإمكانية حتى للاختيار.
توجهنا نحو أحد أصحاب هذه “الباراسولات” يقول إنه من أبناء المنطقة، بعد الأخذ والردّ في الكلام، استرسل قائلاً: إننا لا نفرض المظلات الشمسية على أي أحد، الزبون اذا أراد المظلة نحن نقدم له الخدمة ونضعها في المكان الذي يختاره، وثمن المظلة هو 20 درهم والكرسي الواحد بـ 5 دراهم أما الطاولة فهي بـ 10 دراهم، وهناك من يرفع ثمن المضلة إلى 30 درهم بسبب أنه لا يوجد قانون ينظم الأثمنة خصوصاً هذه السنة.
تحدثنا إلى أحد المصطافين بشاطئ عين “الدياب” رجل برفقة زوجته أخبرنا أنه أتى من منطقة “سباتة” ليستمتع بزرقة المياه مع رفيقة دربه، وأضاف أنه يأتي إلى شاطئ عين الذئاب منذ زمن طويل وبالنسبة لـ”البارسول” نكتريه اذا اردنا ذلك، ولا يمكن لأحد أن يفرض علينا أين نجلس لأن هذا شاطئ ملك للعموم، أما بالنسبة لأثمنة “الباراسول” والكراسي فهو معروف هنا عند الكل.
وبينما تستمر في المشيّ على الشاطئ يمكنك أن تلاحظ سلوك اصحاب “الباراسولات” فهناك من يتشاجرون فيما بينهم من أجل الزبائن، وآخرون يسارعون اتجاهك لكي يعرضوا عليك المظلات الشمسية، كما هناك من الزوار من ليسوا في حاجة لهم لأنهم يحملون مظلاتهم.
وبمجرد الوصول إلى “المنطقة 13” بالشاطئ، تجد أن ثمن “الباراسولات” ارتفع ليصبح بـ 30 درهما وكراسي للاسترخاء، أيضاً، بـ 30 درهم “كل شيء هنا مرتفع”.
توجهنا لأحد الشباب الذي يعمل في هذا المكان وسألناه عن سبب ارتفاع الاثمنة في “المنطقة 13″، ردّ قائلاً: “المكان هو من يحكم على الثمن؛ فهذا المكان نظيف وآمن وكل شيء قريب من الزبون الأكل والحمامات، وإذا أراد أي مساعدة فسيجدنا بقربه”، وأضاف أن “إرتفاع السعر يحدد أيضا نوعية الناس الذي يأتون إلى هنا”.
واسترسل في الكلام: “لا شيء قانوني في هذا الشاطئ الكل يفعل ما يحلو له، وهذه المحلات الصغيرة ليست قانونية أيضا، كانوا يقدمون لنا الرخص. لكن هذه السنة لم يوفروها لنا، كنا نعمل قانونيا، تؤدي ثمن على حسب الميترات التي تختار ويحددون لك سعر كراء الباراسولات الذي لا يتعدى 20 درهما”.
وعن سبب ارتفاع السعر في المنطقة، أجاب للمحافظة على نوعية الناس الذي يرتادون المكان فهم لا يسألون عن ثمن المظلة، كل ما يهمهم هو أن يكونوا في مكان آمن وخصوصا انه قريب لأي خدمة يحتاجونها.
امرأة كانت تجلس مع ابنتها في نفس المكان استفسرناها عن ثمن المظلة التي تحميها من أشعة الشمس الساطعة، فكان ردها أنها لا تعلم وقالت: “فقط جلست بدون أن أسأل سأعرف الثمن عندما سيأتي صاحب الباراسولات”.
كل هذه الفوضى في قلب الدار البيضاء، وكأن أعين السلطات لاترى حجم “العبث” وعدم احترام القانون، وهو ما يطرح السؤال على ماذا يستند هؤلاء الذين يترامون على الملك العمومي من دون وجه حق ويحققون أمولاً طائلةً من دون حسيب ولا رقيب، فبالعودة إلى الّإطار القانوني المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي، نجد أن مجلس الحكومة، صادق سنة 2021، على مشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي، يقضي بتوفير الحماية اللازمة للملك العمومي، ووضع قواعد تراعي خصوصية هذه الأملاك. وأتى مشروع القانون هذا بعد انتشار مظاهر استغلال الملك العمومي بمختلف المدن المغربية، على رأسها مدينة الدار البيضاء.
كما أن هذا مشروع القانون يشدد على ضرورة إلزام الإدارة بدراسة طلب الاستغلال داخل أجل لا يتعدى ستين يوما، واعتماد مدة أربعين سنة بالنسبة للمشاريع الاستثمارية، وتعتبر هذه مدة قابلة للتجديد مرة واحدة، مع بعض الاستثناءات. وأيضا مشروع القانون يمنع الترخيص بالاستغلال المؤقت للملك العمومي من أجل إقامة محلات للسكن الرئيسي أو الثانوي للشخص، كما أنه يحدد مجموعة من الوثائق الخاصة بطرق الاستغلال على رأسها وجود دفتر تحملات يحدد بنص تنظيمي ويتضمن الشروط الخاصة باستعمال الملك العمومي لأغراض خاصة، كما يحدد التزامات وتحملات صاحب الطلب، لكن مع الأسف كل هذا بعيد عن الواقع الحالي.
القانون حبر على ورق في غياب الصرامة في التطبيق
أما بالنسبة للعقوبات المتخذة في حق المخالفين، فوحدة الشرطة الإدارية تمنح في البداية إنذارا بالمخالفة للمعني بالأمر، من أجل تسوية وضعيته القانونية، وفي حال امتناعه يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإدارية، تقضي إما بإخلاء الملك العام، أو إلزام المخالف بأداء إتاوة مضاعفة ثلاث مرات، كإجراء إداري منصوص عليه في القانون.
وفي نفس السياق، تنص المادة 20 من الباب السابع لمشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي، على أن استغلال الملك العمومي يتم مقابل أداء إتاوة سنوية، ويحدد مبلغ الإتاوة وكيفية مراجعتها وكذا حالات الإعفاء منها بنص تنظيمي، وتشير المادة 21 من مشروع القانون إلى إمكانية تأدية الإتاوة على شكل أقساط، شريطة عدم التأخر عن التسديد خارج الآجال المحددة، فيما حدد مشروع القانون علاوات إضافية ناتجة عن كل تأخير.
وجاء أيضاً في الباب التاسع من مشروع القانون المتعلق بالمراقبة والمخالفات، أن “للإدارة الحق في مراقبة الملك العمومي المستغل ويجب على المستغل تيسير سبل إجراء عملية المراقبة وتمكين أعوان المراقبة من جميع المعلومات والوثائق المطلوبة ومن الولوج إلى الملك العام موضوع الترخيص بالاستغلال المؤقت”.
أما في ما يتعلق باستغلال الملك العمومي دون الحصول على ترخيص، نص مشرع القانون على توجيه إعذار بالتوقف عن الاستغلال غير الشرعي، فيما أكد على معاقبة كل ترام على الملك العمومي بغرامة تعادل 10 مرات مبلغ الإتاوة السنوية المستحقة في الحالات العادية للاستغلال.
وإذا كان الترامي مرتبطا بإنجاز بناء يتم، وفق مشروع القانون، “توجيه إعذار إلى المخالف لإزالة البناء داخل أجل خمسة عشر يوما، وفي حالة عدم امتثاله يتم هدم البناء طبقا لمقتضيات القوانين المتعلقة بالتعمير وذلك دون الإخلال بالمتابعة القضائية، وإلزام المخالف بإداء غرامة تساوي عشرين مرة مبلغ الإتاوة السنوية العادية المستحقة في حالة الاستفادة من الترخيص المذكور”.
وتُقرر هذا التعويض الإدارة المختصة بإصدار أوامر بالتحصيل بناء على محاضر يعدها أعوان المراقبة محررو المحاضر المنتدبون لهذا الغرض والمحلفون وفقا للتشريع الجاري به العمل.
من ينقذ البيضاويون من هذه الفوضى؟
كل هذه الترسانة القانونية لا تردع أصحاب “الباراسولات”، ولا حراس السيارات الذين يزداد عددهم كل يوم أكثر من سابقه، حتى أن المواطن أصبح لا يجد مكاناً إلا ويحتله شخص يطالبه بأداء مبلغ مالي معين مقابل خدمة هي في الأصل عمومية ويؤطرها القانون، وهذا ما يدفع بعض المواطنين للتمردّ على هذا المنطق الأمر الذي قد يتطور في العديد من الحالات إلى شجار مع هؤلاء وحوادث نسمع عنها على مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهته علّق نائب رئيس مجلس جماعة الدار البيضاء الحسين نصر الله في اتصال مع “الأول” قائلاً : إن الأثمنة محددة في في الإشارات المعلقة أمام “باركينك مجلس المدينة” وهي أثمنة معروفة، أما بالنسبة لحراس السيارات الذين لا يتوفرون على الرخص لا تربطني بهم أية صفة، ومن بين هؤلاء” الكرديانات” من تصدر عنه ممارسات غير مقبولة، ونحن نحاول ضبطها، لكن هذا الأمر صعب للغاية حيث عملية ضبط هذا المجال صعبة ونحن نعمل على دفتر للتحملات بالنسبة لهؤلاء الحراس من أجل حلّ هذا المشكل بصفة نهائية”.
وأكد نصر الله على أن “هناك اختلالات كبيرة في هذا الموضوع وعلى أنهم يسهرون على إيجاد الحلول، فهذا الملف كبير.. “الكرديانات و الباركينك” إشكال حقيقي تعرفه مدينة الدار البيضاء ونحن نحاول بدورنا إيجاد حل لهذا المشكل من خلال التواصل والتشاور مع النقابات التي تؤطرهم..
وأضاف أيضا أنه “في إطار التواصل التشاوري مع المؤطريين، أكيد سنجد حلا لأن مداخيل المدينة تضيع بشكل كبير”.
في سياق أخر، قالت مليكة مزور النائبة الأولى لعمدة مجلس مدينة الدار البيضاء، في تصريح لـ”الأول” بخصوص الرخص التي تعطى “لأصحاب الباراسولات”، إن “شاطئ عين الذئاب تابع لوزارة التجهيز ولا يعتبر أرضاً جماعية أي أنه ليس ملكا جماعيا”.
وأضافت مزور، “طلبنا استغلال الشواطئ لموسم صيف 2022 لكي نتمكن من الإعلان عن طلب العروض، ويتمكن الناس من استغلال الشاطئ بطريقة قانونية وليست عشوائية، و يتم تخصيص مكان لـ”البارسولات”، وأيضا المقاهي، ويخصص مكان للأطفال من أجل اللعب والترفيه، لكن طلب العروض لم يصدر بعد، لأن قرار الاستغلال لم يصدر من طرف وزارة التجهيز”.
أما بالنسبة لتنظيم الشاطئ. فالشرطة الإدارية والداخلية هي التي تراقب و لها حق التدخل. وأضافت أيضا “أن القرار سيصدر في القريب، وشاطئ عين ذياب سوف يستغل بطريقة قانونية ومنظمة”.
*صحفية متدربة*
بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية في إطار الاستعدادات لتنظيم مونديال 2030
قال وزير التجهيز والماء، نزار بركة، اليوم الثلاثاء، إن 35 مدينة ستستفيد من المشاريع التنمو…