“كرة القدم أكثر من لعبة”، صاحب هذه المقولة لم يخطئ، فباختلاف الأمكنة والأزمنة ظلت هذه الرياضة تتربع على عقول وقلوب الملايين عبر العالم، وصارت متنفساً للشعوب الأكثر فقراً، والدول التي تعاني من البطالة والتهميش، هذا مايمكن أن تلمسه في شغف وحبّ الكونغوليين لكرةالقدم وتعطشهم للفوز، وحماسهم الذي قد يصل أقصى مراحله أمام خصومهم.
لم تكن زيارة عادية، فمنذ الساعات الأولى لوصول الجماهير المغربية إلى كينشاسا نهاية الأسبوع الماضي، بمناسبة مباراة الذهاب التي جمعت بين المنتخب الوطني ومنتخب الكونغو الديمقراطية المؤهلة إلى مونديال قطر، عايشوا كيف أن شعباً بأكمله تجند لتشجيع فريقه بكل قوة ممكنة.. إستعملوا كلّ الوسائل الممكنة من أجل الضغط وإيصال فكرة مفادها أن المباراة ليست عادية بل حلم دولة قيادةً وشعباً بعد أزيد من خمسين سنة لم يصلوا فيها إلى كأس العالم.
وعكس ما تمّ ترويجه من طرف وسائل الإعلام لم تكن الأمور بذلك السوء، ولم يتعرض ولو مشجع مغربي واحد للإعتداء، بل إن الجماهير الكونغولية، تفاعلت بحماس كبير مع أجواء المنافسة، وأظهرت شغفها بكرة القدم، وحاولت أن تقول للمغاربة أنها أيضاً تحلم بالوصول إلى كأس العالم رغم فارق الأسماء والنجوم في المنتخبين، لقد خرجوا في الشوارع منذ الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة، تكدسوا على جنبات الطرق حاملين الشعارات وأعلام بلادهم، يصرخون: سنهزمكم.. سنجلدكم وسنجعلكم تعانون في الملعب، هنا الكونغو وليس المغرب”.. لكن وبمجرد أن انتهت المباراة بدؤوا في التصفيق والتلويح بالأيادي باتجاه الجماهير المغربية، بل منهم من وجه عبارات الشكر، قائلاً: “شكراً لكم انكم جئتم إلى الكونغو”.
رحلة شاقة مدتها 7 ساعات والكونغوليون تجمعوا لاستقبال الجماهير المغربية
كانت رحلة شاقة امتدت لسبع ساعات متواصلة جواً من مطار محمد الخامس إلى كينشاسا العاصمة الكونغولية، حيث وصلت الطائرة المغربية صباح الجمعة، ليتفاجأ الجميع بتغير كبير في الطقس، درجة الحرارة جد مرتفعة، عكس الطقس في المغرب، عناصر من الدرك الكونغولي يقفون أمام الطائرة المغربية مطالبين الجميع بالتوجه نحو قاعة المطار من أجل القيام بالإجراءات اللازمة، وفي نفس الوقت يرددون: “سنهزمكم بـ 3 صفر” وهم يبتسمون، وبمجرد أن خرج الجميع نحو الحافلات المخصصة لنقل الجماهير المغربية صوب الفندق، حتى تجمع العشرات من الكونغوليين وهم يقومون بحركات غريبة، تجاه الجماهير المغربية، لا أحد كان يعرف معنى تلك الحركات، سوا أن الجميع أصيب بالخوف بسبب الاعتقاد أن الجماهير الكونغولية ستهجم على الحافلات لكن لاشيء من هذا حصل نهائياً.
شعب شغوف بكرة القدم ومتعطش للفرح والانتصار
لقد تجمعوا على طول الطرقات وكأنهم كانوا يعرفون أن المغاربة وصلوا إلى كنشاسا، كانت طوابير كبيرة وممتدة من الكونغوليين على طول مسار الحافلات التي كانت تنقل المغاربة من المطار إلى الفندق، يقومون بنفس الحركات بأيديهم، ويصرخون: “سنهزمكم”.. كانت الأجواء غير عادية لقد تجندوا نساءً وأطفالاً وشبابا وشيوخا، الجميع إنخرط فيما يشبه رقصة جماعية، موحدة تقول “هنا كنشاسا نحن أقوياء وسنهزمكم”.
بعض الجماهير المغربية قامت برمي قبعات وأقمصة، تحمل رمز المنتخب الوطني، إلى الجماهير الكونغولية المحتشدة على الطرقات، وقاموا بحملها والتلويح بها وكانت أولى خطوات التواصل بين الطرفين، لقد كانوا متحمسين لدرجة أنهم في لحظة من اللحظات اقتربوا من نوافذ الحافلة وبدؤا يصرخون ويتوعدون بالهزيمة، ويشيرون بأيديهم بحركات غريبة سنكتشف فيما بعد أنها تعني “سنجلدكم.. وسنجعلكم تعانون على أرضية الملعب”، وبحجم القوة والانفعال اللذي كانوا عليه تعتقد أنهم يتهيؤون للضرب أو شيء من هذا القبيل حتى تخترق الضحكات وجوههم، وكأنهم يقولون لا تقلقوا إنها طريقتنا في التعبير عن أجواء المنافسة، ليعود الهدوء من جديد.
في الفندق، بدا الجميع متعباً، من طول الرحلة، كل شخص من الجماهير إنزوا في ركن وتمدد محاولاً استرجاع قواه استعداداً للمباراة، التي قد بدأت تظهر معالم أجوائها؛ أحد العاملين في الفندق شاب صغير لم يتجاوز 20 من عمره شرح لنا معنى الحركات التي كان الجميع يقوم بها، قال إنها “حركات تشير إلى القوة وإلى أننا أقوياء وسنهزم منتخبكم شرّ هزيمة”، ثمّ قال لا “تخافوا لن يصيبكم أي اعتداء هنا فقط هي الأجواء التي تسبق المباراة.. نحن نعلق آمال كبيرة على هذه المباراة منذ أزيد من 50 سنة لم نبلغ نهائيات المونديال، وهذه المرة نعول كثيراً على الذهاب إلى قطر، لهذا ترون أن الأجواء مشحونة نوعاً ما، لكننا شعب لا يحب العنف.. فقد عشنا على مدار سنوات أحداث عنف وفقدنا أقاربنا وأحبابنا مما جعلنا نكره العنف”.
صديقنا الكونغولي الشاب كان خدوما جداً، وكلما طلب منه أحد المغاربة شيء كان يجري لإحضاره، بإبتسامة عريضة على وجهه، لكن النقاش معه كان غنياً حول بلد ظلّ لسنوات رهينة حرب أهلية، وصراع على السلطة، وميلشيات هنا وهناك، وعدم إستقرار، بالإضافة إلى ثرواته الباطنية من الذهب والأحجار الكريمة، التي قال أن هناك عصابات تستفيد منها وكل هذا لاينعكس على الحياة اليومية لللمواطنين.
في الملعب، كان المشهد رهيبا، الكونغوليون طوقوا الطريق المؤدية له، وظلت الحافلات لساعات واقفة والجماهير المغربية فقدت الأمل في الدخول إلى الملعب، بعد أن اقترب الموعد، ليقرروا أن يترجلوا من الحافلات مشياً على الأقدام، وعكس ما كان منتظراً الجماهير الكونغولية إنقسمت إلى صفين مشكلةً ممراً، من أجل السماح للجماهير المغربية بالولوج إلى المدرجات، وكان مشهد رائع جداً.
فقر وغياب البنيات التحتية والخدمات في بلدٍ غنيّ بالذهب و”الدياموند”
بمجرد أن تصل إلى كنشاسا، يمكن أن تكتشف حجم الفقر والتهميش وغياب الخدمات الأساسية، في معظم المدينة بالرغم من أنها تنتمي إلى بلد غنيّ جداً بالمعادن الباطنية والذهب و”الألماس” أو الأحجار الباهظة الثمن التي تصنع منها مجوهرات العالم، كل هذا لا ينعكس على الكونغوليين الذين لا يترددون في أن يطلبوا المال من الغرباء، بل حتى الأكل، حيث تردددت على مسامعنا كثيراً كلمة “أرجوك أنا جائع أريد أن اكل”، أو “أشعر بالعطش أريد الماء”.
الشوارع كانت مليئة بالماء والأوحال، مما يشير إلى غياب قنوات الصرف الصحي أو على الأقل لنقل ضعف كبير فيها، أيضاً ليلاً هناك شوارع مظلمة والناس تمارس تجارتها وسط الأسواق، حيث لا وجود للإنارة العمومية، السيارات قديمة، ولا وجود لإشارات المرور، وهو أمر غريب جداً.. الكونغوليون فقراء في أغلبهم لكن من حين إلى أخر تستطيع أن ترى شخصاً يركب سيارة فارهة، ويضع على يديه ساعة من الذهب، أو فتاة بتسريحة شعرب مثيرة تركب أيضاً سيارة كبيرة الحجم يبدوا أنها من عائلة ثرية.
عندما تصل وسط المدينة وهي عبارة عن شارع واحد، فقط هناك بعض مظاهر التمدن، حيث هناك بعض العمارات والمدارس، ومؤسسات عمومية وسفارات، أما باقي المدينة فعبارة عن عشوائيات ومساكن للفقراء.
بعد المباراة كانت الصدمة.. رجال ونساء الشرطة وقفوا في صفوف طويلة يلوحون بالتحية ويطلبون مناّ إعطائهم أي شيء كهدية
المفاجأة الكبيرة كانت عندما انتهت المباراة بالتعادل هدفا لكل فريق، خرجت الجماهير المغربية وصعد الجميع في الحافلات، حيث اصطفّت عناصر الشرطة بزيها الرسمي، تقدم التحية للجماهير، لكنهم كانوا يطلبون مناّ أن نقدم لهم النقود، كهدية، وبعضهم يطلب القبعات التي كان ترتديها الجماهير أو الأقمصة، أكل، ماء، أي شيء.
كان هذا المشهد صادماً كيف يطلب عناصر الشرطة المال هكذا أمام أنظار رؤسائهم، بل حتى هؤلاء كانوا يطلبون المال، أحدهم وقف أمام الجميع وبدأ يتحدث معنا قال إنه يعرف المغرب فقد سبق له أن عاش لفترة في الرباط، وإنه يعرف مختلف الفرق المغربية، وانطلق في ذكر إسمها: “الفتح الرباطي، الجيش الملكي، الوداد، الرجاء، طنجة، الكوكب المراكشي”، وفي الأخير طلب هدية.
انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات
أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …