عبد الكريم إبنوعتيق*
و نحن نتابع يوميا تفاصيل ما حدث بمعبر الكركارات، إستشعرنا ضرورة الرجوع إلى الوراء للنبش في مجموعة من الدراسات التي تناولت القضية الوطنية ، هدفنا هو محاولة القيام بقراءة تركيبية لوقائع وأحداث بنفس ينسجم مع تساؤلات اليوم، الهدف هو تقريب الأجيال الحالية من هذه الإجتهادات المتميزة التي كان من ورائها ثلة من الباحثين و الدارسين ، آملين تقديمها في شكل تسلسل كرونولوجي و بنفحة تطغى عليها القراءة السياسية لمعطيات يسعى الخصوم طمسها اليوم،إما عن طريق تزويرها أو جرنا إلى نقاشات تتسمبالعموميات و غير مستوعبة للتفاصيل الدقيقة لمجريات الأحداث.
– تجاهل مقصود لحقائق دامغة
عندما نستقرئ المسار التاريخي للدولة المغربية، نجد أن كل من تعاقبوا على حكم المملكة المغربية، بدئ من المرابطين بجذورهم الجنوبية و الذين جعلوا من مراكش نقطة إنطلاق لدولة كبيرة إمتدت من الصحراء المغربية لتصل إلى مناطق عديدة منها الأندلس، مرورا بالحضور القوي للأقاليم الجنوبية في المنظومة الجغرافية والسياسية لدولة الموحدين و المرينين، وصولا إلى حكم السعديين بدولة إمتدت من المحيط الأطلسي إلى تخوم السودان، ثم إلى مرحلة الدولة العلوية حيث إحتل و لا يزال أهل الصحراء موقعا و مكانة متميزة لدى السلاطين العلويين .
جل الدارسين و أهل الإختصاص و المتتبعين للشأن المغربي مغاربة و أجانب، يقرون بأن المغرب دولة لها جذور تاريخية تكونت عبر قرون، الإستعمار الأوربي بشقيه الفرنسي و الإسباني قبل و بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء، كان يعترف بالسيادة الكاملة للدولة المغربيةعلى أراضيها، هذه السيادة تجسدتفي مؤسسة السلاطين الدين تعاقبوا على الحكم ومارسوه بتعاقد قائم بينهم وبين المغاربة، من هنا نؤكد ما إتفق حوله الدارسون من بينهم الأستاذ عبد الله العروي عندما إعتبروا عقد الحماية نوعا من التفويض السلطاني المؤقت إنتهى بإسترجاع السلطان لكافة إختصاصاته، لذلك و إنطلاقا من هذه القناعة الثابة لدى الجميع ، فإن مفوضات “إيكس ليبان” و عودة الملك الشرعي من المنفى ثم إعلان إستقلال المغرب سنة 1956، لم يؤدي إلى خلق دولة جديدة لأن هذه الأخيرة لم تنمحي أثناء فترة الحماية.
وإستمرارا على هذه الرؤية و لتذكير البعض بجزء من البديهيات التاريخية، خاصة من يتجاهل عن قصد شرعية تواجد المغرب في صحرائه، يكفينا الرجوع إلى مجموعة من الأبحاث و الدراسات التي تعمقت في الحضور المؤسساتي المغربي بالأقاليم الجنوبية، و التي تناولت بالدرس و التحليل و ثائق عديدة تتبث ذلك، جزء كبير منها لا زال محفوظافي أرشيفات مجموعة من الدول المعنية بالموضوع، مثل نزول الإنجليزي ” ماكينزي” سنة 1879 بشواطئ طرفاية مدعيا أنها أرضا خلاء، لكن بفضل ضغط الدولة المغربية، آنذاك وقعت بمراكش إتفاقية في 6 يوليوز 1895، بفضلها إسترجع المغرب البنايات التي أنشأها الإنجليزي بمدينة طرفاية، هو إذا حسب المؤرخين إعتراف بريطاني آنذاك بأن طرفاية و الأراضي الواقعة جنوبها جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية الشريفة، و من تم لا نزول بشواطئها إلا بإذن خاض من سلطان المغرب. في نفس الإتجاه لكن في سياق تاريخي آخر ، عندما وقعت إسبانيا و فرنسا معاهدة سرية سنة 1904 و التي أتت بعد إتفاقية نونبر 1902 التي لم يوافق عليها البرلمان الإسباني، خصصت لمدريد بمقتضى هذه الإتفاقية منطقتين بالشمال و الجنوب، مع إلتزام بين الطرفين على أن المناطق التي تخضع للحماية الإسبانية يجب أن تكون تحت نفوذ خليفة للسلطان، من أجل هذا تم تعيين الأمير المهدي بن إسماعيل بظهير 14 ماي 1913 خليفة للسلطان بتطوان، و من تم كل مناطق الحماية الإسبانية بالشمال و الجنوب كانتا خاضعتين لخليفة السلطان بالشمال،لتأكيد ذلك إستعان المؤرخون المغاربة بوثائق مهمة لا يرقى إليها الشك مثل تعيين السيد ” السالك بن عبد الله” من طرف خليفة السلطان بتطوان، خليفة له على طرفاية بعد إحتلالها من طرف الإسبان سنة 1916 ، و ذلك بظهير خليفي مؤرخ ب 22 دجنبر 1917، ثم تعيين السيد ” محمد الأغضف بن الشيخ ماء العينين” خليفة لخليفة السلطان بتطوان على سيدي إيفني بعد إحتلالها سنة 1934 ، بظهير مؤرخ ب 1 أكتوبر 1934،ينضاف إلى كل هذا تأكيد أهل الإختصاص، أن كل القوانين التي كانت تصدر عن خليفة السلطان بتطوان، هي وحدها المرجعية التطبيقية بالأقاليم الصحراوية الخاضعة للنفوذ الإسباني ، و كمثال على هذا الحضور القانوني ، الظهير الخليفي المؤرخ ب 12 فبراير 1941، و الذي أكد على مغربية المياه الإقليمية للشاطئ الممتد من مصب درعة إلى أقليمي طرفاية و الساقية الحمراء. و جدير بالذكر هنا أن الإستعمار الإسباني إقتصر في البداية على التواجد في مركز الداخلة، أما المراكز الأخرى فلم تعرف حظورا إسبانيا إلا بعد سنوات عديدة كمركز طرفاية في 9 يونيو 1919، و الكويرة في 30 نونبر 1920 ، و سيدي إيفني في 6 أبريل 1934 ، أما المناطق الباقية فلم تدخلها الإدارة الإسبانية إلا بعد سنة 1939 ، السبب في ذلك هو وجود مقاومة شرسة قادها أهل الصحراء، أشار إليها كذلك المؤرخون في كتابات متعددة من بينها ، معركة ” كجوجيت” في مارس 1908 ، و معركة ” كجوجيت الثانية” في ماي 1908 ، ثم معركة ” خروفة” سنة 1907 ، و معركة ” الشملان” سنة 1906 ، فمعركة ” الغزلان” سنة 1908، ضف إليها محطات أخرى مشرقة من المقاومة الباسلة، كمعركة “سيدي بوعثمان” سنة 1912 شمال مراكش و التي واجهت فيها القبائل الصحراوية المستعمر الفرنسي . حجج أخرى دامغة تؤكد التلاحم الذي عرفه مسار المقاومة المسلحة المرتبط بالحركة الوطنية، و الذي إعتبر آنذاك إستقلال المغرب ناقصا دون أقاليمه الصحراوية ، تجسد هذا التلاقي على أرض الميدان في معارك قوية في ما بين سنة 1956 و 1958 ، يوم إتخذت القيادة الميدانية للمقاومة المغربية فندق بوعيدة بكلميم كمقر مركزي لها ، معارك أنخرط فيها المقاومين المغاربة من الجنوب إلى جانب رفاقهم من الشمال في تلاحم نضالي، مشاركين جميعا في معارك عديدة نذكر منها معركة “مركالة” في غشت 1956 ، و معركة “الرغيوة” في دجنبر 1957 ، معركة “الشاطئ” في نونبر 1957، و معركة ” بوجذور” في نونبر 1957 ، ثم معركة الدشيرة في يناير 1957 .
– للقضية الوطنية مسار تاريخي :
في سنة 1960 وضعت المملكة المغربية طلبا لدى الأمم المتحدة تدعوا إسبانيا إلى الجلاء عن الأراضي المستعمرة بالصحراء المغربية ، الجواب الإسباني جاء في 19 أبريل 1961 ، عندما أكدت مدريد أن الصحراء إقليما إسبانيا ، وفي سنة 1963 اللجنة الخاصة بتصفية الإستعمار التابعة للأمم المتحدة إعتبرت الأراضي الصحراوية مشمولة بإختصاصاتها ، تبعا لذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 1965 أصدرت قرارا تطالب فيه بإنهاء الإستعمار ، و في السنة الموالية جدول الأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 22 ناقش قضية الصحراء المغربية من جديد ، لكن هذه المرة إنطلاقا من عرائض قدمتها إسبانيا و المغرب و موريتانيا كل من جانبه يقر بأن الصحراء الغربية جزء من أراضيه. في 20 دجنبر 1966 الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر التوصية رقم 29.22 تقترح فيها تقرير المصير في الصحراء من خلال إستفتاء عام للسكان، رد فعل مدريد هو إنشاء في سنة 1967 الجماعة الصحراوية التابعة لها، ثلاث سنوات بعد ذلك إنعقد بمدينة “نواديبوا” الموريتانيةقمة مغاربية ثلاثية ضمت كل من الملك الحسن الثاني و الرئيس بومدين و الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه ، كان موضوع اللقاء هو مناقشة مسألة الصحراء، الرئيس الجزائري عبر صراحة و علانية على أن لا أطماع لبلاده في المنطقة، في 5 يوليوز 1974 الحسن الثاني يبعث برسالة إلى الجينرال ” فرانكو” ينبهه من ضرورة تفادي القيام بمبادرات فردية بشأن الصحراء، و في نفس الشهر يطلب الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية ، جواب مدريد جاء في 20 غشت 1974 بإعلانها نيتها تنظيم إستفتاء لتقرير المصير إبتداء من غشت 1975 .
عندما أكدت إسبانيا أن الصحراء الغربية الموجودة جنوب خط العرض 27.4 درجة لا توجد داخل التراب المغربي المعني بالإتفاقيات الدولية، هنا تغير موقف الجزائر المعلن عنه في لقاء ” نواديبوا” معتبرة الموقف الإسباني فرصة لإبعاد الصحراء عن المغرب، مما سيجعل النقاش محصورا فيما بعد بين إسبانيا و اللجنة الأممية لتصفية الإستعمار ، من هنا يجب التأكيد و الإعتراف بأن فكرة التوجه لمحكمة العدل الدولية من طرف الراحل الحسن الثاني كان عملا إستباقيا ذكيا بعمق إستراتيجي ، تمثل هذا العمق في القدرة على تطويق الأطروحة الإسبانية و تحويل النقاش حول الصحراء المغربية من ثنائية إسبانيا و لجنة الإستعمار إلى صراع مغربي إسباني، عن طريق طرح سؤال جوهري غير مسار القضية عالميا و نقصد بذلك التطرق إلى سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. قبول الأمم المتحدة فكرة إستشارة محكمة العدل الدولية هو في حد ذاته إعتراف بأن المشكل المطروح آنذاك يقتضي تفاوضا مباشرا بين المغرب و الجارة إسبانيا، عندما نعود إلى المواقف السياسية لتلك الفترة نجد الجزائر في البداية قبلت إقتراح فكرة إستشارة محكمة العدل الدولية، لكنها تراجعت بسرعة و صرحت بأن رأي محكمة العدل الدولية لا يمكن ان يلغي مبدأ تقرير المصير ، هذا الموقف أدى إلى أول إصطدام علني بين الرباط و الجزائر لا سيما و أن المغرب ركز في مرافعاته أمام قضاة محكمة العدل الدولية على أن قبائل الصحراء كانت تجمعها روابط البيعة مع سلاطين المملكة المغربية و ذلك عبر قرون متتالية ، الجزائر لنسف هذه الأطروحة، إستعملت المنظومة القانونية الغربية متجاهلة خصائص المرجعيات القانونية الإسلامية التي توسعت و تعمقت في الدلالات الشرعية لمفهوم البيعة، متشبة بمفهوم تقرير المصير للتأثير على قضاة محكمة العدل الدولية المطوقون بتكوينهم المتشبع بالمدارس القانونية اللاتينية.
– من الحياد الشكلي إلى طرف الأساسي في معاكسة مصالح المغرب
الجميع كان يعرف أن الصحراء المغربية المحتلة كانت تمثل المنطقة الجنوبية للحماية الإسبانية في مقابل منطقة حماية أخرى بشمال المغرب ، إبان الإحتلال كانت الصحراء المغربية تنقسم إلى عدة مناطق هي منطقة سيدي إيفني و منطقة طرفاية و منطقة الساقية الحمراء ثم منطقة واد الذهب ، إسبانيا لم تسلم هذه المناطق الأربعة للمغرب رغم التصريح الإسباني المغربي المشترك الصادر في 7 أبريل 1956 ، بعد مرور سنتين على هذا التصريح إسبانيا تقرر بمقتضى مرسوم فرانكو الصادر في 10 يناير 1958 ، جعل سيدي إيفني إقليما إسبانيا و طرفاية و الساقية الحمراء و واد الذهب عمالة إقليم الصحراء الإسبانية ، لكن بعد ثلاث أشهر من هذا المرسوم، المغرب و في إطار إستكمال سيادته الترابية إستطاع إسترجاع طرفاية بمقتضى ما يعرف بإتفاقية ” سانتري” في أبريل 1958 ، عشر سنوات بعد ذلك إسترجع المغرب سيدي إيفني في 4 يناير 1969 بمقتضى إتفاقية فاس ، إستمر هذا المسلسل التفاوضي السلمي لإستكمال الوحدة الترابية بنفس الروح و المنهجية ، ففي 16 أكتوبر 1975 عندما أعلنت محكمة العدل الدولية عن رأييها الإستشاري بوجود روابط البيعة بين قبائل الصحراء و المملكة المغربية، بادر الملك الراحل الحسن الثاني في نفس اليوم و في توظيف ذكي للأحداث إلى الإعلان من أكادير على تنظيم المسيرة الخضراء محددا نقطة إنطلاقها من مدينة طرفاية لما تحمله هذه المدينة من دلالات عميقة في عملية إسترجاع أقاليمنا الصحراوية، و بالفعل إنطلقت المسيرة في 6 نونبر 1975 ، مجلس الأمم و خوفا من إنزلاق الوضع في المنطقة، أصدر قراره رقم 08.30 يدعوا فيه المغرب وإسبانيا إلى إجراء مفاوضات مباشرة بينهما، وبالفعل جرت هذه المفاوضات و أدت إلى توقيع إتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 بين إسبانيا و المغرب و موريتانيا و بموجب هذه الإتفاقية تم إنهاء الإحتلال الإسباني للأقاليم الجنوبية ، و معلوم أن البرلمان الإسباني وافق على هذه الإتفاقية بعد خمسة أيام فقط من توقيعها، وعلى المرسوم الملكي الذي أذن للحكومة الإسبانية بالتخلي عن أقاليم الصحراء متضمنا فقرة مهمة تؤكد على أن الصحراء الغربية لم تكن في يوم من الأيام جزء من التراب الإسباني. هذه المرحلة تعتبر في نظر المتتبعين للصراع في المنطقة مفصلية بكل إمتياز ، إذ ستكشف عن تورط الجارة الشقيقة الجزائر مباشرة في قضية الصحراء المغربية مدشنة بذلك سلسلة من المناورات لازالت مستمرة إلى اليوم، فبمجرد إنزال العلم الإسباني بالعيون في 28 فبراير 1976 بحضور الجنيرال الإسباني “سان لازار” و بمشاركة مستشار الملك آنذاك المرحوم أحمد بنسودة ، أعلنت جبهة البوليساريو في نفس اليوم عن تأسيس الجمهورية الصحراوية الوهمية، الجزائر كانت أول دولة تعترف بالكيان المصطنع ، لم يقف الأمر عن هذا الحد فعندما وقع المغرب مع موريتانيا إتفاقية تقسيم الصحراء في أبريل 1976، تم تسليح عناصر جبهة البوليساريو و الدفع بهمفي يونيو من نفس السنة لتنفيذ هجوم عسكري عنيف على العاصمة نواكشوط ، قتل خلال هذا الهجوم قائد الجبهة مصطفى السيد ، جوابا على هذه العملية الرباط سارعت إلى توقيع معاهدة الدفاع المشترك مع الجمهورية الموريتانية ، بعد سنتين حصل طارئ جديد غير مجرى الأحداث في المنطقة، نقصد بذلك الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الموريتاني المختار ولد داداه و صعود مصطفى بن محمد بن السالك رئيس للجمهورية ، هذا الأخير وافق سنة 1979 على توقيع إتفاقية مع البوليساريو للإنسحاب من إقليم واد الذهب ، أربعة أيام على هذا المتغير المفاجئ في التعاطي الموريتاني مع القضية، الملك الحسن الثاني يأمر القوات المسلحة الملكية بدخول إقليم واد الذهب، تحقق ذلك بعد معركة شرسة “ببئر أنزران” تلاها مبايعة شيوخ القبائل للملك الحسن الثاني بالرباط.
بعد إحساس من وقفوا وراء تأسيس جبهة البوليساريو و تسليحها و إيواء قياداتها و تأطير جنودها، بعدم قدرتهم على فرض متغيرات عسكرية ميدانية تكون منطلقا للإبتزاز و التفاوض و الضغط ، غيروا مجرى المعارك بالتوجه إلى منظمة الوحدة الإفريقية، ففي يوليوز 1976 أثيرت لأول مرة قضية الصحراء المغربية في مؤتمر القمة الإفريقي الثالث عشر المنعقد بجزيرة “موريس” ، هذا المؤتمر رفض الإعتراف بالبوليساريو كحركة تحرير، في المؤتمر الخامس عشر المنعقد بالخرطوم تأسست لجنة الحكماء مهمتها البحث عن طرق سلمية لحل النزاع ، في سنة 1980 المغرب يتقدم رسميا بطلب لمنظمة الوحدة الإفريقية يحثها على عدم قبول عضوية الجمهورية التي لا تتواجد إلا على الورق و لا تتوفر على مقومات دولة، زد على هذا تذكير المملكة المغربية بالمقتضى القانوني المتمثل في المادة 72 من ميثاق المنظمة آنذاك و الذي يشترط صراحة على أنه لا يمكن الفصل في أي مسألة متعلقة بهذا الميثاق إلا بموافقة ثلثي أعضاء المؤتمر المشكل من رؤساء الدول و الحكومات ، في الدورة 38 لمؤتمر وزراء الخارجية للمنظمة الإفريقية المنعقد بأديس أباأبا ، 19 دولة إفريقية تنسحب إحتجاجا على الأمين العام للمنظمة الذي حاول إقحام الجمهورية الوهمية في حظيرتها دون سند قانوني، في سنة 1984 المغرب يقرر الإنسحاب حفاظا على وحدة هذه المنظمة و الذي يعتبر من المؤسسين لها مع جيل الزعماء والقادة أمثال الملك محمد الخامس و الرئيس جمال عبد الناصر و الزعيم نكروما و أخرون.
في هذه الفترة أحس المغرب بأن القضية الوطنية قد تدخل مرحلة تدويل تجعل من المنطقة ساحة للمواجهة بين القوى العظمى، لاسيما أن الحرب الباردة كانت في تلك الحقبة هي السمة البارزة في تدبير تعقيدات الصراعات الكونية ، من هنا بادر المغرب خلال الدورة 38 للجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر 1983 بإقتراح تنظيم الإستفتاء و قبول النتائج، و بذلك سحب المغرب البساط من تحت أقدام الدول المهيمنة آنذاك على منظمة الوحدة الإفريقية، و التي كان أغلبها يدور في فلك الجزائر ، هذه الخطة الذكية للمملكة المغربية كان من نتائجها القوية هو جعل ملف الصحراء المغربية منحصرا في تدبيره على الأمم المتحدة دون غيرها، مع قبول المغرب لكل الآليات التي تحافظ على حقه المشروع في ضمان وحدته الترابية. و تجاوزا للتفاصيل المرتبطة بقبول المغرب سنة 1988 خطة السلام المقترحة من قبيل الأمين العام للأمم المتحدة ثم مصادقة مجلس الأمن على القرار 690 بتشكيل بعثة أممية لتنظيم الإستفتاء، ثم موافقة مجلس الأمن في غشت 1991 على خطة التسوية التي تضمنت ثلاث نقط هي : تشكيل لجنة لتحديد هوية الناخبين ، الإتفاق على وفق إطلاق النار ، ثم إنتشار مراقبين أمميين مهمتهم الوحيدة هي مراقبة وقف إطلاق النار ، بعد ذلك تبين إستحالة الإستمرار في عملية تحديد الهوية نظرا للخلاف الجوهري الواقع حول من له الحق في التصويت ، هذا الإشكال كان فرصة جديدة أظهر فيها أعضاء جبهة البوليساريو أنهم لا يملكون سلطة القرار بالرغم من مجهودات المنتظم الدولي و جزء من القوى الفاعلة دوليا، هذه الأخيرة أصبحت تقتنع يوما بعد يومبإستحالة تنظيم الإستفتاء ، في هذه الفترة بالضبط ظهرت الوصاية المطلقة التي تمارسها الجزائر على جبهة البوليساريو بحيث تحولت من مساند إلى طرف أساسي في الصراع، حجتنا في ذلك المذكرة التي بعثها سنة 2001 الرئيس الجزائري بوتفليقة إلى كل من كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة و مبعوثه الخاص جيمس بيكر، حول رفض الجزائر لخيارات الإتفاق الإطار، الأمور لم تقف عند هذا الحد ، ففي سنة 2002 الرئيس بوتفليقة يزور مخيمات تندوف في الذكرى 26 لتأسيس الجمهورية الوهمية، وهي بالمناسبة أول زيارة لرئيس جزائري للمخيمات،جواب المغرب هو الزيارة الملكية للأقاليم الصحراوية رفقة أعضاء الحكومة آنذاك، بعدها أي في أبريل 2004 المغرب يبعث بمذكرة للأمين العام للأمم المتحدة يعلن فيها أن فكرة الإستفتاء لتقرير المصير أصبحت متجاوزة، في نفس السنة بيكر يقدم إستقالته و ينسحب نهائيا من ملف كمبعوث خاص للأمين العام للمنتظم الدولي.
– بين بانكيمون و كرستفور روس: خيوط لعبة معقدة إنكشفت
في سنة 2007 مجلس الأمم يصدر اللائحة 17.54 يدعو فيها الطرفين إلى الشروع في مفاوضاتبدون شروط مسبقة، بعدها تم تعيين الأمريكي الديمقراطي كريستفور روس هذا الأخير يعرف المنطقة جيدا كديبلوماسي أمريكي سابق بالإضافة إلى تمكنه من اللغة العربية كتابة و نطقا ، مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة خلافا للهولندي بيتر فان ويلسون ، جولات مفاوضات عديدة تمت مابين 2009 و 2011 ، عند زيارته للمنطقة، روس حاول تغيير المنهجية المعتادة في التعامل مع الملف، متأثرا بالمقاربة الإيدولوجية التي يتبناها تيار داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي و التي ترتكز في مرجعياتها الكبرى على رؤية ضيقة لمفهوم حقوق الإنسان، بالفعل إقترح روس على الأمين العام للمنتظم الأممي توسيع صلاحية المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان ، المغرب رفض المقترح متشبتا بالأليات المتفق عليها بين الطرفين تحت إشراف الأمم المتحدة ، هي إذن محاولة أخرى للأيادي الخفية التي تسعى كلما حقق المغرب إنتصارا ميدانيا أو ديبلوماسيا إلى البحث عن جبهة مواجهة جديدة مع المملكة إنطلاقا من توظيف سيئ لنظرية الإنهاك التدريجي ، إستمرارا على هذا المنحى و بضغط من لوبيات أمريكية معروفة بدفاعها عن ما يسمى “بالشعب الصحراوي” ، الأمين العام للمنتظم الدولي يسقط في فخ المحظور عندما برمج زيارة للمنطقة في مارس 2016 دون الأخذ بعين الإعتبار موقف الطرف الأساسي أي المملكة المغربية التي إعتبرت أن الوقت غير مناسب لهذه الزيارة، بإلحاحه على القيام بزيارة فقط للجزائر و لمخيمات تندوف و تصريحه بأن المغرب بلد إحتلال تكون خيوط اللعبة قد إنكشفت ، جواب المغرب كان هو خروج ملايين من المغاربة في مسيرة ضخمة بالدار البيضاء و أخرى في 13 مارس من نفس السنة بمدينة العيون ضمت آلاف الصحراويون الوحدويون. يجب الإشارة هنا إلى أن ملف القضية الوطنية تعاقب على تدبيره خمسة أمناء عامون للأمم المتحدة ، لأول مرة أمين عام يخرج عن نطاق التعامل المتعارف عليه و المتضمن في ميثاق الأمم المتحدة “لسان فرانسيسكو” و الذي يعد من ثوابت المنظمة الأممية .
ما وقع في الكركارات مؤخرا دفعنا إلى القيام بقراءة ولو سريعة لمسار طويل سمته الرئيسة هو أن المحاور المرئي أي الجبهةتمارس لعبة لا تتحكم في خيوطها و لا في صياغة مضامينها ، ولا في إعطاء الرأي حول نجاعتها ، تنفذ بشكل حرفي رؤية تستمد جذورها من خطاطة تنتمي لمرحلة الحرب الباردة التي لم تعد صالحة لتقديم أجوبة لإشكالات مطروحة في عالم يتسم اليوم بالغموض و عدم الإستقرار مع بروز دول و مناطق تعرف صعوبات سياسية و مؤسساتية تؤدي غالبا إلى هشاشة أمنية تنعكس على أوضاع مجموعة من المناطق.
كم من فرصة ضاعت لغياب سلطة القرار لدى جبهة البوليساريو ، يكفي الوقوف عند بعض هذه الفرص، مثل لقاء وفد من الجبهة مع المرحوم الحسن الثاني بمراكش سنة 1990 ، و بعدها مباشرة مع الملك محمد السادس يوم كان وليا العهد، و في ذلك دلالة على أن الملك الراحل كان مستوعبا لتحديات المستقبل، محطات أخرى ضاعت مثل لقاء الطائف بالسعودية الذي إستمر أياما طويلة بحضور قياديين صحراويينمن الطرفين ، ومعلوم أن لقاء الطائف الذي تم في يوليوز 1988 قد عرف حضور وفد يمثل آنذاك جبهة البوليساريو، و الذي كان يتكون من، عبد القادر الطالب عمر رئيسا للوفد كانت له صفة وزير الداخلية للجبهة، حاليا سفير لها بالجزائر، نور الدين بلالي إدريسي كانت له صفة كاتب عام لوزارة الداخلية الجبهة، عاد إلى المغرب و هو من الأطر الصحراوية التي تحضى بإحترام كبير و بالمناسبة هو الذي أمدنا بهذه اللائحة، أمهمد ولد زيو رئيس سابق للمجلس الوطني للبوليساريو ، بابا و لد حسن أحد الشيوخ، عضو سابق بالكورتيس الإسباني، أزروك ولد الجماني أحد الشيوخ، كان نائبا لما يسمى والي المنطقة ، ولينا ولد الشيخ لكبير كان ممثلا للجبهة بلاس بالماس، عاد إلى المغرب، عبيد لوشاعة، ممثل سابق للجبهة بأنغولا، توفي في السنوات الأخيرة ، أعلي محمود، حاليا سفير للجبهة ببانما ، أما الوفد القادم من المغرب فكان يتكون من، خطري الجماني رئيس الجمعية الصحراوية سابقا ، لاراباس ماء العينين رئيس محكمة الإستئناف بالعيون آنذاك، الدكتور محمد الشيخ بيد الله برلماني ، تقي الله ماء العينين برلماني ، أحمد سالك بيروك، أحمد البشير، كان عضوا في الكورتيس الإسباني سابقا، التامك محمد مبارك، عم محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون و إعادة ا الإدماج حاليا، أبريك الزروالي برلماني، أب خالد الزروالي الوالي مدير الهجرة و مراقبة الحدود بوزارة الداخلية حاليا، محمد سالم خطري الجماني . رافق الوفد المغربي مترأسا الجلسة الإفتتاحية و مغادرا بعد ذلك الإجتماعات، الأمير مولاي الحسن بن إدريس، إبن عم الملك الحسن الثاني برفقة حفيظ بنهاشمالذي كان مديرا للشؤون العامة بوزارة الداخلية،و الذي عايش لحظات حاسمة في ملف القضية الوطنية، ثم فيصل المزياني كان إطارا بوزارة الداخلية ثم عاملا على إقليم بوجذور ، و معلوم أن هذا اللقاء تم بمباركة الملك فهد الذي كان يتابع هذا الحوار بين أبناء الصحراء عن طريق مستشاره لشمال إفريقيا، الشيخ علي بنمسلم، قناة الثقة آنذاك بين الملك الحسن الثاني و الملك فهد، و الشيخ بن مسلم كانت له علاقات متعددة بالمغرب من بينها الصداقة المتميزة التي كانت تجمعه بالأستاذ سي محمد الشرقاوي، القيادي البازر في حزب الشورى و الإستقلال و الذي شارك فاعلا في مفاوضات “إيكس ليبان”، تقلد إبان الإستقلال مناصب وزارية مختلفة منها وزيرا للخارجية،حيث ترأس الوفد المغربي في سلسلة مفاوضات مع الجزائر بعد حرب الرمال سنة 1963، عندما كان يرأس الوفد الجزائري عبد العزيز بوتفليقة .تفاؤل الحسن الثاني من لقاء الطائف عبر عنه في خطاب بمناسبة تدشين عمالة بن مسيك سيدي عثمان عندما قال ” قضية الصحراء إنتهت، لا غالب و لا مغلوب” ، بعد فشل الحوار إقتنعت جل الأوساط المتابعة للقضية الوطنية، بأن الخلاف و الصراع ليس مع شباب تمرد و إنفصل، لكن يال الأسف مع دولة شقيقة.
*وزير سابق وعضو مركز الدراسات الديبلوماسية و الإستراتيجية بباريس
دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم.. ألمانيا تدك شباك البوسنة بسباعية نظيفة
حسم المنتخب الألماني صدارة المجموعة الثالثة ضمن المستوى الاول لمسابقة دوري الأمم الأوروبية…