تنظر محكمة النقض في ملف مثير وحارق لم تنفع تدخلات بعض الوزراء في حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني لتقويم الاعوجاجات القانونية التي عرفها في أي شئ. يتعلق الأمر بقضية دخلتها مواطنة مغربية “ضحية” فخرجت منها مدانة بالحبس النافذ والغرامة والحجز على ممتلكاتها.
أصل الحكاية
بتاريخ يونيو 2014، تولّى (ع.ط)، وهو محامي معروف بهيئة أكادير، قضيتين تخصان إقبال بوفوس التي وكّلته للدفاع عنها في ملف إرث عبارة عن عقار بكل من مدينتي أكادير والصويرة.
ونظرا لكونها تقطن بمدينة الرباط بينما الملف كان يروج آنذاك بالمحكمة الابتدائية بأكادير، مما يعني صعوبة تتبع تطوراته مع محاميها عن قرب، دأبت إقبال بوفوس بين الفينة والأخرى على الاتصال بدفاعها لاستفساره عن مآل قضيتها، فكان يخبرها بأن مجريات هذه الأخيرة في تقدم.
وبعد مرور حوالي سبعة أشهر على تكليفها للمحامي (ع.ط)، تحكي إقبال لموقع “الأول”، ستكتشف أن جميع تواريخ الجلسات التي كان يمدها بها “وهمية”؛ إذ لم يتقدم بأي ملف لدى ابتدائية أكادير يخصها، ما دفعها إلى ربط الاتصال به لمواجهته بهذه المعطيات، غير أنه، وفق تعبيرها، لم يعرها أي اهتمام، بل وأقفل الهاتف في وجهها، فسارعت عقب ذلك والغضب يتملكها إلى مراسلته عبر رسالة نصية بالفرنسية اتهمته فيها بـ”النصب”.
ولم تكد إقبال تستفيق من صدمة ما حدث، حتى تلقت، أياما قليلة بعد واقعة الخلاف مع محاميها، اتصالا هاتفيا من قبل الشرطة القضائية بأكادير، وذلك على خلفية شكاية وضعها ضدها دفاعها، يتهمها فيها بـ”القذف والتشهير”، بناء على الرسالة النصية المذكورة، غير أنها، حسب تصريحاتها لموقع “الأول”، لم تستطع الانتقال من الرباط إلى أكادير للمثول أمام الشرطة، ظرا لظروف خاصة، فتقدمت بدورها بشكايات في الموضوع إلى عدد من المسؤولين القضائيين فتم حفظها، كما راسلت نقيب هيئة المحامين بأكادير لكن لم تتوصل، إلى حدود اليوم، بأي رد من طرفه، قبل أن تتفاجأ، تزامنا مع رحلة البحث عن مخرج لورطتها، بصدور مذكرة بحث وطنية في حقها.
الرميد وأوجار يدخلان على خط الملف
“لستُ مجرمة ولا إرهابية ولا أشكل خطرا على أي كان حتى أصبح مبحوث عنها وطنيا.. ماذا فعلت حتى تتحول حياتي إلى كابوس؟”، تتساءل إقبال وهي تسرد لـ”الأول” تفاصيل قصتها الشائكة، مؤكدة أن الخوف على مركزها الاجتماعي، دفعها إلى الاستنجاد بالمصطفى الرميد، حينما كان وزيرا للعدل وكانت النيابة العامة تحت إمرته، حيث استعرضت في اتصال هاتفي معه مظاهر “الحيف” الذي تعرضت له، فوعدها بالنظر في ملفها، غير أنه أخلف ما عاهدها به.
أعادت المحاولة، هذه المرة مع محمد أوجار، بعد تعيينه في حكومة العثماني وزيرا للعدل، تضيف إقبال، مشددة على أنه بعد اطلاع أوجار على وثائق ملفها، أعطى تعليماته بإلغاء مذكرة البحث الوطنية التي أصدرتها النيابة العامة بأكادير ضدها عام 2015. وكذلك كان. لكن بمجرد أن وطأت قدما إقبال بوفوس تراب أكادير بتاريخ 3 مارس 2019، حتى ألقت عناصر الشرطة القبض عليها مصادرة هاتفها النقال.
خلال مرحلة الاستماع إليها، وفق تصريحاتها المدونة في محاضر الشرطة التي اطلع “الأول” على مضامينها، أقرت إقبال فعلا بأنها أرسلت إلى المشتكي رسائل من رقم هاتفها، نافية أن تكون هي من أنشأت صفحة على “فيسبوك” تنشر تفاصيل ملفات أخرى لمواطنين لجؤوا بدورهم إلى المحامي “ع.ط”، للدفاع عنهم في قضايا مختلفة قبل أن يجدوا أنفسهم في ردهات المحاكم متابعين في جنج السبّ وغيرها.
من جانبه، تمسك المشتكي في محضر الاستماع إليه، بأنه ضحية سب وتشهير مارسته ضده المتهمة، بعد أن وقع سوء تفاهم بخصوص تطورات قضية العقار التي كان ينوب عنها فيها.
من محام إلى موظف عمومي
لم تقتنع المحكمة بمرافعات دفاع إقبال بوفوس التي ركزت على أن عناصر التهمة الموجهة إلى موكلتهم غير متوفرة، دافعين في اتجاه أن الملف يتعلق بقضية سب غير علني، فقد توبعت بتهمة “إهانة موظف عمومي” وحكمت عليها ابتدائية أكادير بشهرين حبسا نافذة وغرامة مالية بقيمة 10 مليون سنتيم.
حُكم على إقبال بالحبس النافذ، بالرغم من أن دفاعها بسط أمام المحكمة كيف أنها وقعت ضحية لمحاميها الذي لم يتصرف في ملفها على الوجه المسطري المطلوب، كما تناولت مرافعاته نتائج الخبرة التقنية التي أكدت أنه لا علاقة لها بالحساب الفيسبوكي الذي يشهر بالمحامي المذكور وأن نشاط هذا الحساب على شبكة التواصل الاجتماعي استمر في الوقت الذي توجد فيه إقبال في السجن، إضافة إلى بسطه عددا من التجاوزات القانونية التي عرفتها المسطرة.
في الطور الاستئنافي، أيدت هئية الحكم القرار الابتدائي، مع تعديله، وقضت بإدانة المتهمة من أجل جنحة إهانة محام بسبب ممارسته لمهنته طبقا للمادة 60 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، وليس بوصفه موظفا عموميا، على اعتبار أن المحاماة مهنة حرة لا تخضع لقانون الوظيفة العمومية، مع إلغاء مصادرة الهاتف النقال لكون المؤاخذة امت من أجل جنحة فقط.
“لا ديدي لا حب الملوك”
وبينما مازال الملف بين يدي محكمة النقض إذ لم يصدر فيه، بعدُ، حكما حائزا لقوة الشئ المقضي به، شرع المحامي (ع.ط) في تنفيذ مسطرة الإكراه البدني لحيازة الغرامة المالية التي حكمت بها المحكمة لفائدته.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل عاد ورفع دعوى قضائية جديدة يطالب فيها المعنية بالأمر بالحصول على أتعابه التي قدرها في مبلغ 45 ألف درهم، مع العلم أن المسطرة توقفت وسحبت منه موكلته النيابة عنها في ملفي قسمة الإرث. الأكثر من ذلك، فحتى الاتفاق الذي جرى بينهما، كان ينص على استخلاص قيمة أتعابه بعد البت في القضية.
في هذه النازلة، أصدرت المحكمة حكمها بإجبار بوفوس على أداء 20 ألف درهم لصالح المحامي (ع.ط)، فقام بالحجز على حصتها من الإرث المتنازع عليه. في المحصلة خرجت إكرام بوفوس خاوية الوفاض بعد سنوات من التقاضي، وهو ما عبّرت عنه بالقول: “دابا خرجت لا ديدي لا حب الملوك”، مبرزة أنها تعرضت لـ”الاعتقال التحكمي” وتم حفظ جميع الشكايات التي تقدمت بها للقضاء ولنقيب هيئة المحامين بأكادير، لكون (ع.ط) نافذ وله علاقات على أعلى مستوى. على حد تعبيرها.
وقد حاول موقع “الأول” التواصل مع المحامي (ع.ط)، غير أنه لم يرد على اتصالاتنا الهاتفية.