خمس سنوات تمر على ثورة تونس, ثورة اختزلتها أهم شعاراتها ” خبز حرة كرامة وطنية ” و ساعات قليلة صارت تفصلنا عن شهر جانفي , شهر الحراك الاجتماعي بامتياز في تونس
كل المتتبعين للشأن العام في تونس يجمعون على صعوبة الأوضاع الاقتصادية , الاجتماعية و السياسية أيضا . على المستوى الاقتصادي يحضى مشروع قانون ميزانية 2016 بالقسط الأوفر من الجدل داخل مجلس النواب و خارجه , مشروع الميزانية المقترح و الذي كان مصدر خيبة الكثيرين الذين يعتبرون أن هذا الأخير لم يقطع مع تصورات النظام السابق و خياراته الاقتصادية و الاجتماعية .
في مستوى أخر جوهر مشروع الميزانية المقترحة يندرج في إطار تصور عام لسياسة اقتصادية تقشفية تثقل كاهل الطبقات المتوسطة و الفقيرة.
في جانب آخر, يعتبر عدة محللين أن عدم إدراج إصلاحات اقتصادية هيكلية صلب مشروع الميزانية من شانه أن يفقدها بعدها التنموي , في هذا المستوى تجدر الإشارة إلى كون القضايا الخلافية الكبرى تتمثل أساسا في ثلاث مستويات .المستوى الأول و الذي يتمثل في غياب رؤية واضحة بخصوص مسالة الديون الخارجية لتونس التي بلغت مستوى قياسيا حيث سيكون حجم سداد هذه الديون في حدود 5400 مليون دينار لسنة 2016 الأمر الذي سينعكس سلبا على موازنات مشاريع التنمية .
أما المستوى الثاني فيتمثل في عدم إدراج مشروع الميزانية لإصلاحات جبائية حقيقة قادرة على تخفيف الضغط لفائدة الطبقات الشعبية و تكرس مفهوم العدالة الاجتماعية من خلال مقاومة ظاهرة التهرب الجبائي من طرف رؤوس الأموال خصوصا .
ثالثا , يتصدر التشغيل ام المشكلات في تونس في ظل ارتفاع معدلات البطالة ليصل إلى حدود 16 بالمائة , في المقابل و من خلال قراءة لمشروع ميزانية 2016 نتبين أن مشكل التشغيل لا يحضى بالأهمية الكافية حيث لم تتم برمجة مواطن شغل جديدة إلا في حدود 2191 موطن فقط مع الإشارة إن جل هذه الانتدابات ستكون من نصيب وزارتي الداخلية و الدفاع تحت عنوان مقاومة الإرهاب.
على الصعيد الاجتماعي , تعيش تونس حالة احتقان اجتماعي أهم ملاحمه حالة التصادم بين الاتحاد العام التونسي للشغل و منظمة الأعراف بخصوص عدم التوصل إلى اتفاقات بخصوص الزيادات في مستوى الأجور بالنسبة لموظفي القطاع الخاص , تجدر الإشارة أن أطرافا أخرى تدخلت لتقريب وجها النظر كرئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة دون أن تنجح في إيجاد حلول توفيقية . في نفس السياق أكد الاتحاد العام التونسي للشغل انه في حال تواصل تعنت منظمة الأعراف سيكون الإضراب العام هو الخطوة القادمة.
على صعيد آخر, يتصدر ملف إضراب جوع قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس المفروزين امنيا ” الإنصاف و الكرامة ” اهتمام مختلف مكونات المجتمع المدني و ناشطي الحركة الحقوقية في تونس . يدخل إضراب الجوع الذي يخوضه 28 مناضلا من قدماء الحركة الطلابية أسبوعه الثالث من اجل المطالبة بالحق في الشغل و فتح ملفات الطلبة المفروزين امنيا و تسوية وضعياتهم . في المقابل تواصل الحكومة الحالية انتهاج أسلوب التسويف و المماطلة في التعامل مع هذا الملف خاصة في ظل تدهور الحالة الصحية للعديد من المضربين, في مستوى آخر يلاحظ ضعف المتابعة الإعلامية لهذا الملف من طرف وسائل الإعلام المرئية خصوصا.
الزيارات الميدانية لمقر الاتحاد العام لطلبة تونس الذي يحتضن الإضراب و جملة اللقاءات مع المضربين تؤكد حرصهم و إصرارهم على المضي قدما في إضرابهم لحين استجابة الحكومة لمطالبهم , هذا الإصرار الذي تعززه مساندة مكونات المجتمع المدني إضافة إلى العديد من الشخصيات الوطنية . هذا التحرك لم يقتصر فقط على إضراب الجوع بل تطور ليشمل تنظيم وقفات احتجاجية و عقد تظاهرات ثقافية لمزيد الدعاية لهذا الملف و حشد نطاق مساندة أوسع في ظل تخلي الدولة عن معالجة و إيجاد حلول كفيلة بإيقاف هذه المظلمة. في الحقيقة لا يخلو إضراب جوع قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس من الرمزية , المشهد صعب عندما تلتجئ نخبة شباب تونس إلى الجوع كبديل لضمان الحد الأدنى من حقوقهم حينها ندرك جيدا معنى مقولة ” الثورة تأكل أبناءها ” .
المفارقات أحيانا تكون قاتلة … في الحقيقة إذا كان شباب تونس من قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس ينتصرون لكرامتهم جوعا, في المقابل نجد آخرين ينشدون حرية مسلوبة من داخل سجون تونس… وطننا . و التهمة ” يتكيفوا زطلة” …
تؤكد الإحصائيات الرسمية أن حوالي 11000 تونسي يقبعون في السجون بمقتضى القانون 52 المتعلق باستهلاك مادة “الزطلة” , يشار أن أغلبية المسجونين هم من فئة الشباب من معطلين عن العمل , طلبة و فنانين . تفاقم ظاهرة المسجونين عملا بأحكام القانون 52 أصبح موضوعا على درجة من الأهمية حيث أن الأحكام الجائرة التي تترتب عن استهلاك مادة الزطلة لا تساهم في حل إشكال الإدمان بقدر ما تساهم في خلق مناخات لا تحد من انعكاسات الإدمان. في ذات السياق يشار إلى أن الأحكام المترتبة عن استهلاك هذه المادة قد تصل إلى سنة سجنا و خطية مالية قيمتها 1000 دينار و هو ما يؤكد الطابع الزجري لهذا القانون .
من بين ردود الأفعال الرافضة لمحتوى هذا القانون تنظيم ندوات وملتقيات تحسيسية و كذلك تنظيم وقفات احتجاجية رافضة لهذا المشروع , يذكر أن وقفة احتجاجية تم تنظيمها بتاريخ 28 ديسمبر أمام مجلس نواب الشعب تضمنت مشاركة عائلات ضحايا القانون 52 . يذكر أن تحويرات مرتقبة على محتوى القانون 52 قد عرضت على أنظار مجلس النواب قصد المصادقة عليه فيما يؤكد خبراء القانون أن الصيغة التحويرية لهذا القانون لم تزل تحافظ على طابعه الزجري.
ختاما… و بناءا على ما تقدم قد يكون لتونس موعد جديد مع جانفي و الحركات الاجتماعية…