حمادي كيروم
مشاركة المغرب في الدورة التاسعة والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي، وذلك من خلال فيلمين متميزين صفق لهما الجمهور كثيرا، نالا استقبالا ايجابيا من طرف الصحافة السينمائية العالمية المعتمدة في كان. يتعلق الأمر بالفيلم الأول Mimosa للمخرج الإسباني المقيم بالمغرب أوليفر لاكس والذي ساهمت في إنتاجه المنتجة المغربية لمياء الشرايبي واستفاد من دعم المركز السينمائي المغربي، و قد عرض ضمن مسابقة قسم أسبوع النقاد. أما الفيلم الثاني فهو فيلم Divines للمخرجة الفرنسية من أصول مغربية هودا بنيامينة والذي عرض ضمن قسم مسابقة أسبوعي المخرجين .
يحكي الفيلم الأول قصة قافلة يسوقها مجموعة من الرجال بزعامة شاب يدعي انه يعرف الطريق إلى سجلماسة، تحمل هذه القافلة شيخا مسنا، قرر أن يعود إلى بلدته ، بعد أن أحس باقتراب أجله. غير أن القدر لن يمهله ليصل حيا إلى متواه ، فوقع سوء تفاهم بين رجال القافلة حول دفنه، واختلفت آراءهم حول العودة من حيث آتوا، أو الاستمرار في السير نحو هدفهم لتلبية رغبة الشيخ وزوجته.
يحكي الفيلم الثاني قصة فتاة لقيطة، تعيش بصحبة أمها في الضواحي الفرنسية، وتحاول دنيا ( وهذا اسمها ) أن تصل إلى المجد والمال لتحقق أحلامها، وتنقد أمها من مهانة الفقر والعهارة. تظل دنيا موزعة بين عنف وقساوة تريبيكا، الفتاة الحديدية، التي تحتكر بيع الحشيش وتنافس الرجال، وبين طيبة صديقتها، ميمونة، ابنة إمام المسجد الموجود في الضاحية.
يتمفصل بناء الفيلم الأول على عنصرين أساسيين: العنصر الأول هو فضاء جبال الأطلس المغربية، وتضاريسها الصخرية، ومسالكها الصعبة، ووديانها الوعرة، ومخاطر الطريق المجهول. وعلى هذا الفضاء يموضع المخرج العنصر الثاني ، الذي هو مجموعة من الكائنات البشرية الهشة، والتي لا يجمع بينها أي رابط سوى الطريق والرحلة. ويضيف المخرج لهذه الكائنات المتنافرة والمتناقضة كائنا آخر( بوهالي )، التحق بالقصة مؤخرا، لينقذ القافلة، بعد أن مات الشيخ، وتاه الرجال، وفقدوا البوصلة، التي تعتمد على الروحيات أحيانا، باعتبارهم يحملون جثة الشيخ، وعلى العبثية أحيانا أخرى، باعتبارهم لا يؤمنون باي شيء، وانما يقومون بسخرة مفروضة عليهم.
أثناء الرحلة والبحث عن الحقيقة. يؤثث المخرج الشاب، طريق التيه لهؤلاء “الهائمون “، الباحثين عن الذوات المتشظية، بين الديني والصوفي والأسطوري والكرنفالي والفانتاستيك. محطما بذلك نظرية الأجناس، ومتجاوزا العقائد والديانات. محاولا بناء رفاهية النظر، والبذخ الصوريي – المشهدي، لتوازي الإشباع الروحي، المشع من هذا الموكب الذي يبحث عن القدسي في المكان (سيجلماسه) ليربطه بالزمان الروحي( التصوف ). غير أن هذه المغامرة في الكتابة والمونتاج، الذي فقد منطق السرد ومنطق التسلسل، قد أصاب هذا البذخ الفرجوي بنوع من التكرار والطول والبله، الناتج عن عدم التمكن من معرفة معنى الحوار ، الذي يطلق بشكل غير منسجم مع الوضعيات الشيء الذي خلق نشازا في التلقي. إن المشاهد النبيه لهذا الفيلم لابد أن يسترجع من خلال صراع الإنسان في ضعفه، مع قوة الطبيعة في عظمتها وجبروتها ونبلها، الفيلم الخالد “فيتزكرالد” للمخرج الألماني فيرنير هرتزوك، غير أن بطل هرتزوك، كان بتحديه للطبيعة، يعرف هدفه، في حين أن هؤلاء ” اللا أبطال ” لا يعرفون هدفهم.
اذا كان فيلم اوليفي لاكس ، يقدم نفسه كفيلم عن الحقيقة الروحية وعن البحث عن الماوراء. فإن فيلم هودا بنيامينه، يعتمد المال والمقدس، كموضوع سياسي، يجعل بطلاته يصرخن بأجسادهن، ضد الذل والإهانة والتمييز والتهميش والإقصاء والتفقير والتجويع. إن هذه الصفات ليست عبارات لملء الفراغ ولكنها مواد متفجرة ينبغي أن توضع حولها أسئلة جارحة ومؤلمة ومستعجلة، قبل أن تصبح هذه الصفات مادة فاعلة للأحزمة المتفجرة، تدفع الحاملين لها في وجوههم وجلودهم، إلى تفعيلها ليسقط الجميع في الجحيم .
إن هذا العمل الأول للمخرجة هدى بنيامينة، الآتية من الدراما المسرحية، يبشر بمخرجة حقيقية، تستمع للمجتمع الذي تعيش فيه وتعبر عنه بتراجيدية مؤلمة، لا تخلو من الأمل بالشباب المتمرد والغاضب كما تؤمن بان الفن يمكن أن يساهم في تغيير العقليات ويخلق فضاء للتعايش والنضال المشترك ضد التوحش والهمجية المعاصرة .