فاز الكاتب والفنان التشكيلي والنحات المغربي المعروف، ماحي بينبين، مؤخرا، بجائزة البحر الأبيض المتوسط للأدب 2020، وذلك عن روايته الأخيرة “رو دو باردون” Rue du pardon. وتروم هذه الجائزة، التي تعد مرجعية في عالم النشر، “تثمين الفضاء الثقافي بين مختلف البلدان، التي يعد الحوض المتوسطي بوتقتها”، و”إعادة بناء القصة الملحمية للتنوع الذي يشكل أساس هويتها”، حيث سيتم تسليم الجائزة للمؤلف يوم 3 أكتوبر المقبل خلال حفل كبير سيقام في بربينيان بجنوب فرنسا.
وفي حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، يقدم ماحي بينبين انطباعاته حول هذا الاستحقاق الجديد الذي يأتي لينضاف إلى خزانته المؤثثة بالجوائز، ويتحدث عن روايته المتوجة، ويكشف عن جزء من حياته الشخصية والمهنية أثناء فترة الحجر الصحي، كما يتطرق لمشاريعه المستقبلية، لاسيما رواية جديدة انتهى من كتابتها للتو، ويقوم أيضا بتحليل وضع الفن والفنانين في المغرب.
– لقد تم اختيارك مؤخرا كفائز بجائزة البحر الأبيض المتوسط للأدب 2020. ما الذي يعنيه لك ذلك؟
إنها فرحة بالطبع. تعلمون أن الكتب لديها الآن مدة صلاحية تصل إلى ثلاثة أشهر في المكتبات، وبدون اعتراف من مجتمع الأدب، لن يكون لديها فرصة للبقاء. لذا، فإن هذا النمط من الجوائز يسمح باستدامة العمل. الأمر الذي دائما ما يسعد الكتاب.
رواية “غو دو باردون”، التي صدرت السنة الماضية عن دار النشر “ستوك”، تعد عملا مشرقا، حسيا، دافئا ومفعما بالإنسانية، فهي بمثابة احتفاء بأنوثة النساء المغربيات من خلال بورتريه حياة، الطفلة غير المحبوبة في حي فقير بمراكش، والتي ستكتشف دروب الحرية عبر رقص وغناء “الشيخات”، هؤلاء النسوة اللواتي يشكلن في أحيان كثيرة ضحايا الأحكام المسبقة.
وتحكي “رو دو باردون” قصة حياة، الفنانة التي أعرفها جيدا. فهي صديقة تزورنا في أحيان كثيرة بتحناوت في دار الفنانين، لأننا لا ننظر لها كشخص عادي، بل كفنانة شأنها شأن المصور الفوتوغرافي أو الموسيقي أو الكاتب. الشيخات هن نسوة لا يحظين بالتقدير الذي يجب أن يحصلن عليه. أردت إعادة الكرامة لهؤلاء النسوة اللواتي تجدهن في جميع الاحتفالات (حفل العقيقة، الختان، الزواج…)، حيث ينظر إليهن دوما كماجنات بينما يعتبرن فنانات مثلنا.
إنها رواية ألفتها بحب كبير وأنا سعيد للغاية بحصولها على هذا الاعتراف الدولي. نحن بصدد ترجمتها، كما أنها ستمنح حياة جديدة من خلال هذه الجائزة.
– ماذا عن تجسيد هذه الرواية في فيلم سينمائي ؟
لماذا لا. أظن أن الرواية لديها طابع سينمائي قوي، وبالتالي يتعين حتما تجسيدها في فيلم. لكن الأمر ليس لديه طابع الراهنية. الآن يتم الحديث أكثر على “فو دو روا” كشريط سينمائي مستقبلي أكثر من “رو دو باردون”، لكن الأمر سيأتي حتما لأن الكتاب يمتلك صبغة مرئية قوية.
– كيف عشتم فترة الحجر الصحي ؟
كما تعلمون، فإن الكتاب يخضعون للحجر الصحي طوال حياتهم. إنهم يعيشون إن صح القول كنساك. إنهم متواجدون دوما في فضاءات مغلقة لأن كل شيء يحدث بدواخلهم، ومن ثم فإن الحجر الصحي لا يغير الشيء الكثير بالنسبة للمؤلفين. لقد اشتغلت كثيرا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث قمنا بالكثير من المبادرات لمساعدة أولئك الذين يعانون من الحرمان، لاسيما من خلال توزيع السلال الغذائية. وهكذا، فقد تم توزيع نحو 5000 قفة. لقد كنا منهمكين إلى حد كبير في عملنا ومحاولة دعم الأشخاص الأكثر عوزا في زمن تفشي وباء فيروس كورونا.
إلى جانب ذلك، انتهيت مؤخرا من روايتي الجديدة التي سأقدمها في ظرف أسبوعين. من النادر جدا بالنسبة لي أن أنتهي مبكرا. فعموما أنا دائما متأخر ودار النشر كثيرا ما تمتعض من ذلك. أما اليوم، ولأول مرة، أنا في الموعد مع الناشر، وهكذا، سيتم إصدار الرواية الجديدة في غضون بضعة أشهر. لقد انتهيت من إعدادها وأنا جد سعيد حقا.
وتدور قصة الرواية الجديدة حول شخصيتين تتعايشان في نفس الجسد ولا تتفقان على شيء. إنها تتضمن تقريبا كل قصة حياتي.
– ما هو المعطى الذي قمتم باستخلاصه من فترة الحجر؟
تعلمون، أنا شخص منظم بشكل جيد. (…) أرسم كل يوم، وأكتب كل يوم، وأقوم بالنحت… لهذا، لدي حياة مزدحمة للغاية، بصرف النظر عن المعطي الذي يفيد بأنني أقضي نصف حياتي في السفر. لذلك، كان هذا الحجر الصحي بالنسبة لي نعمة من السماء. لقد انتهيت للتو من روايتي الجديدة، حيث عملت بشكل جيد. وأنا سعيد لأنني خضعت للحجر الصحي لمدة ثلاثة أشهر. لقد قمت بتسوية كل شيء لم أقم بالبث فيه منذ فترة طويلة.
لقد أتاح لي هذا الحجر الصحي أيضا جمع الشمل مع أسرتي، فقد مرت عدة سنوات لم أجتمع مع بناتي الثلاث في نفس الوقت. هكذا، تمكنا أخيرا من الالتقاء ببعضنا البعض. هناك واحدة تقيم بلوس أنجلوس، وأخرى بميلانو والأخرى تستعد للمغادرة هذا العام. لذا، كنت سعيدا جدا للالتقاء مع أطفالي، والاستمتاع بحضورهم معي، والتحدث مع بعضنا البعض… لقد كانت الحياة الأسرية ثمينة بالنسبة لي خلال هذا الحجر.
– كيف تنظر للوضع الثقافي في المغرب قبل وبعد فيروس كورونا ؟
في المغرب، تسير الأمور على كل حال. هناك المزيد من المعارض، كما أن هناك نوع من الحركية. من جهتي، يمكنني التحدث عن الفن التشكيلي بحكم إلمامي بهذا العالم. هناك كوكبة حقيقية من الفنانين الاستثنائيين في البلاد الذين عانوا كثيرا بسبب فيروس “كوفيد-19”. حيث تم إغلاق صالات العرض. ولكن سيتعين استدراك الأمر. هنا نحن نقترب من النهاية، لذا يتعين علينا أن نشمر على سواعدنا ونتجه قدما إلى الأمام !!.
– هل تؤمنون بالدبلوماسية الثقافية؟
بطبيعة الحال أؤمن بها، لأن الإشعاع لا يأتي بالضرورة من السياسة. فهو يأتي بلا شك من الفنان. فماذا يتبقى في الأخير؟، ما الذي يتبقى في مجتمع ما ؟، ما الذي يتحمل عامل الزمن؟ ما الذي ننظر إليه، معملة، نصب تذكاري، عمل فني… إنه غنى البلد ويجب علينا أن نولي المزيد من الاهتمام للفنانين، الذين يعتبرون بمثابة رئتين للمجتمع كما يجب العناية بهم.