محمد أغبالو

ربما في دولة مثل ألمانيا، حيث تعود المواطنون على وجود الدولة بقوة في الحياة العامة، وحيث المعادلة بسيطة أمامهم، أنا أؤدي ضرائبي كاملة، إذن على الدولة أن تقوم بواجبها تجاهي على أحسن وجه، وهذا الواجب يتجسد في أن تضمن لي تعليما جيدا وولوجا إلى العلاج بطريقة سلسة، وأن توفر لي البنيات التحتية الأساسية وتضمن حقي في الحياة والتجول وحرية التعبير، قلت، ربما في ألمانيا، غير مطروح بتاتا أن يقول المواطن للدولة “شكرًا على أدائك في مواجهة جائحة كورونا”، لأنها بالنسبة إليه لم تقم إلا بواجبها الذي وجدت من أجله.

لكن في المغرب، حيث تشكلت (عبر قرون من الزمن) صورة في ذهن المواطن مفادها أن “المخزن” لن يكون بجانبه في الأزمات، وما صورة نقل جثث النساء ضحايا فيضان وادي تمسورت سنة 2014، عبر شاحنة لنقل الأزبال ببعيدة عن الأذهان، كتجسيد لهذا التمثل، الممعن في الاستهتار بكرامة المواطن.

لكن، في محنة هاته الأيام، المرتبطة بجائحة كوفيد 19،  وبعد القرارات التي تم اتخاذها على المستوى الاستراتيجي، فإن أغلب فعاليات المجتمع صفقت لهاته القرارات، وانخرطت في المطالبة بالتجاوب إيجابا مع كل قرارات السلطات العمومية، رغم التخبط الذي كان واضحا على عدد من هاته القرارات، من قبيل قرار التعليم عن بعد، الذي لم تكن شروطه متوفرة، خاصة وأن التعليم المغربي فاشل عن قرب، فما بالك عن بعد. وهذا ما اعترف به كل من رئيس الحكومة ووزير التربية والتعليم نفسه، وكذا قرار إجبارية الكمامات، وتهديد المخالفين بالسجن، رغم أنها ظلت غائبة عن الصيدليات لأيام، إلى جانب المحلول الكحولي، الذي أصبح مثل لبن العصفور، كما يقول المصريون. أما أجهزة التنفس الاصطناعي التي صنعها مغاربة، فلازلنا ننتظر رؤيتها في المستشفيات، ونسمع رأي المختصين فيها بعد تجريبها.

يضاف إلى ذلك قرار إعلان حالة الطوارئ الصحية المفاجئ، وما نتج عنه من تزاحم في المتاجر بكل أنواعها، وبعده التزاحم أمام الملحقات الإدارية من أجل الحصول على شواهد التنقل الاستثنائية. وكذا العديد من الاضطرابات عند تنزيل عدد من القرارات على أرضية الواقع.

لكن، ولأننا نؤمن بالمغرب، نعود إلى الإشادة بقرارات السلطات العمومية، ونتغاضى عن كل ما يمكن أن يشوش على المعركة التي يخوضها البلد ضد الفيروس القاتل، خاصة وأن القرارات الاستراتيجية كانت في وقتها، مثل إغلاق الحدود وفرض حالة الطوارئ الصحية، وكانت مناسبة مثل سن تعويضات لفاقدي الشغل بسبب الجائحة. لأننا ظمأ فلنا سابقا، نؤمن أن المغرب هو من يخوض الحرب ضد الجائحة، وهي حرب لن تنتهي بعد أيام أو أسابيع. بل ستبقى تداعياتها مستمرة لسنوات عديدة، وهو ما يتطلب تضافر كل الجهود، وأن يقوم كل واحد من موقعه بواجبه في خدمة الوطن والمواطنين، وألا يعتبر أي شخص أو مؤسسة أنه أكثر مواطنة من الآخرين، أو أنه أكثر حرصا على سلامة الوطن من باقي الفاعلين. فالكل في سفينة واحدة، وإما سينجو الجميع أو سيغرق الجميع.

 مناسبة هذا الكلام، هو صدور بيان وزارة الداخلية حول واقعة اعتداء قائد تيفلت السيد عزيز مطيع  على الطاقم الصحافي لقناة الأمازيغية، التي بدل أن تتخذ القرارات العقابية الواجبة في حق القائد الذي خرق القانون، عبر الاعتداء الجسدي واللفظي على صحافية ومصور، كما تجاوز صلاحياته ونصب نفسه مسؤولا على إعطاء تراخيص التصوير لمن يجب أن يعمل ومن لا يجب فوق الدائرة الترابية التابعة له، ضاربا عرض الحائط، بفكرة وجود هيئات ومؤسسات، هي المخولة بمنح هاته التصاريح، وأن مهمته تتجلى في الإطلاع على هاته الرخصة فقط. قلت بدل أن تعاقب هذا المسؤول، اتهمت وزارة الداخلية الصحافية بالكذب على القائد، عندما اتهمته بصفعها. ودليلها في ذلك أن التسجيل الذي تسرب إلى المنابر والمواقع الالكترونية لا يظهر واقعة الصفع، فهل يعتبر  غياب صور الصفع في الشريط المتداول دليلا على عدم وجود الواقعة؟. ويبقى السؤال المطروح: ما الذي ستجنيه الصحافية من وراء اتهام المسؤول الترابي بصفعها؟. ثم إذا كان السيد القائد قد تدخل لفرض احترام حالة الطوارئ، كما ادعى بيان الداخلية. فلماذا لم يقم بإبعاد المواطنين المتجمهرين على الكاميرا، وترك الطاقم الصحافي يزاول مهامه، دون تعسف على حقه في أداء واجبه المهني، خاصة في هذا الظرف العصيب، الذي يعيش فيه الصحافيون العاملون في الميدان، في خط مواجهة يومية مع الفيروس. 

إن مسؤولي الداخلية، ومن خلال عدد من القرارات، والتي كان آخرها، استثناء صحافيي المنابر المكتوبة سواء الورقية أو الالكترونية، من فرصة العمل بليل رمضان أثناء فترة حظر التنقل الليلي، لتكشف بوضوح أن لدى بعض ساكني إقامة ليوطي، حنينا لزمن أم الوزارات، عندما كانت الداخلية تشرف على الإعلام أيضا. وإلا فبماذا يمكن تفسير، أن يطلب من المؤسسات الصحافية الخاصة، أن تضع لائحة بصحافييها لدى الولاة والعمال، لكي يسمح لهم بالتنقل الليلي. ألا يصبح العامل والوالي بهذا الإجراء رئيسا للتحرير في الجريدة الورقية أو الموقع الالكتروني، مادام هو الذي سيحدد الصحافي الذي سيقوم بالتغطية الإخبارية ليلا. بينما تم السماح لزملائهم في القنوات العمومية والإذاعات الخاصة، بحرية التنقل الليلي، رغم أنهم جميعهم يتوفرون على بطائق الصحافة المهنية التي يصدرها المجلس الوطني للصحافة.

أما “زلة” مشروع القانون 22.20، الذي يهدد كل سكان مواقع التواصل الاجتماعي بالسجن، فليست إلا دليلا على أن السلطوية تطل برأسها، محاولة استغلال ظرفية حالة الطوارئ الصحية، لتقليص مساحات حرية التعبير، رغم ضيقها أصلا. وهو ما يجعل من الدعوة إلى توازن السلط، فكرة أساسية في بناء الدولة الديمقراطية. فأين هي النخب، التي تستطيع خلق هذا التوازن؟.

التعليقات على حتى نكاد نقول للسلطة “برافو”.. فتخرج لنا السلطوية لسانها مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

الهجرة غير الشرعية.. تفكيك 123 شبكة إجرامية خلال سنة 2024

تكللت جهود مصالح الأمن الوطني خلال سنة 2024 بتفكيك 123 شبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غ…