مراد بورجى
لم أستسغ أن يقوم رئيس الحكومة بإصدار قرار الإقتطاع من أجور الموظفين لفائدة صندوق مكافحة جائحة كورونا، قبل أن ينتقل من حرية التبرع إلى فرض نسبة للصندوق من أموال أثرياء البلد، وينتزع الثروة من مفسديها.
عندما سنت الحكومات قانون الاقتطاع الضريبي المباشر من أجور الموظفين والأجراء، تركت المجال مفتوحًا لمشغليهم لإستغلال حرية تقديم البيانات التي تمكنهم من التهرب الضريبي.
واليوم تعمد الحكومة الحالية لفعل نفس الشيء حيث فرضت الإقتطاع على الشغيلة دون أخذ موافقتها، في حين تركت الحرية لمن شاء من الحفنة التي اغتنت غنى فاحشا أن يتقدم بتبرع أو يمتنع عن ذلك دون حسيب ولا رقيب. فلابد للحكومة أن تفرض التبرع بالقوة على هؤلاء أيضاً.
رغم أن تبرعهم يجب أن يكون شخصيًا، ولا يعتمدون على تبرعات خاضعة للخصم الضريبي، مما يكون المبلغ المعلن أكثر بكثير منه بعد الخصم.
بعملية ضريبية بسيطة فإن كل المبالغ التي تبرع بها أصحاب الشركات لصندوق الجائحة، تختصم منه الخزينة مبلغ 31%. أي أن الشعب قد يكون ساهم بالثلث تقريبا.
إن الموظفين البسطاء استأنسوا منذ زمان بالاقتطاعات، زيادة عن إثقال كاهلهم بأداء تكاليف تدريس أبنائهم وتحمل مسؤوليات فقر ذويهم ودفع مقابل استشفاء مقربيهم.

أما فئة الموظفين العاملين اليوم في الميدان، فصندوق دعم الجائحة، عليه أن يصرف لهم علاوات مقابل تعريض حياتهم للخطر خدمة للوطن.
وعلى السيد العثماني أن يفهم أنه إلى جانب مصاريف تنقلهم للعمل الميداني، يضطرون اليوم لصرف مبالغ مهمة من رواتبهم على شراء المعقمات الصحية ومعدات النظافة تفاديًا لتعريض ذويهم للعدوى.
وإذا كان كل من رئيسي الحكومتين الإسلامية السابق السي عبد الإله بنكيران واللاحق سعدالدين العثماني قد تفانيا خلال “حكمهما” في الزيادات في ضروريات العيش وتماديا في الاقتطاعات التي لا تمتد إلاّ للفئة البسيطة من الشغيلة، وإن تعدتها تتوقف عند الفئة الوسطى.

في مقابل هذا فإن بنكيران والعثماني اللذين لطالما تبجحوا وهم أمناء على رأس حزب البيجيدي بمحاربة الفساد، وتوعدهم المفسدين، هما معًا على رأس الحكومة من سارعا إلى المساعدة على تبييض العقارات والملايير من الأموال المهربة بالخارج، وحتى المدسوسة بالداخل من خلال مسطرة العفو التي سنتها حكومتاهما على التوالي سنتي 2014 و 2020.
بل خلال “حكمهم” تم تمرير جميع القرارات أللا شعبية التي لم تستطيع لا حكومات الظل، ولا حتى المخزن العميق تمريرها خوفًا من تحمل مسؤوليتها، فحَمَلَهَا التنائي بنكيران والعثماني لأنهما كَانَا ظلومين، جهولين.
إن في عهد الحكومتين الإسلاميتين ازدهر بذخ المفسدين وأصبحوا يستعرضون عضلاتهم بعدما رفضت هاتان الحكومتان الإسلاميتان إخراج قانون الإثراء غير المشروع للوجود.
فهؤلاء الموظفون والشغيلة حينما كانوا يفنون شبابهم في خدمة هذا الوطن، كانوا أيضا يتتبعون بذهول خطوات المفسدين وهم يتمتعون ريعا ومالاً عاماً حتى أصبحوا رفقة زوجاتهم وأبنائهم وحتى أصهارهم من بين كبار أثرياء البلد.
نقول هذا رغم أن معظم أثرِيائِنا، من رجال أعمال ومنعشين عقاريين وتُجار وغيرهم، ينبغي أن يكونوا خلف أسوار السجون لأنهم يعرفون جيداً أن عددا كبيرا منهم ليس له تاريخ، ولا مهنة ولا مستوى دراسي ولا عائلة لها ذمة مالية نزيهة.
بل إن بعضهم كان صاحب سوابق إجرامية، أو أن جرائمه مازالت “راقدة” في رفوف المحاكم تنتظر الضمير المسؤول والشجاع ليوقظها ببسط الأدلة أمام القضاء.
إن كثيرا من هؤلاء راكموا هذه الثروات الطائلة والمفاجئة عبر السرقة والنهب والاحتيال على مؤسسات الدولة بتواطؤ مع بعض كبار موظفيها، فيما تتم التضحية بصغار الموظفين وبعض أكباش الفداء في أي قضية وصلت شظاياها إلى القضاء.
واليوم في ظل هذه الجائحة على الحكومة أن تسترجع أموال الشعب المنهوبة.
فالشعب لم يتفق لا مع بنكيران ولا مع العثماني وأغلبيتها الحكومية التي لا تمثل من هذا الشعب حتى 10% من الناخبين على السماح للمفسدين في نهب فلس واحد عبر التبييض القانوني الذي سنوه.
لا يمكن بعد كل هذه السنوات من طرح الملك محمد السادس لسؤال الثروة ألا تكون قد أُعدت تقارير مفصلة عن ناهبي هذا الشعب.
فبإمكان المفسدين أن يكدسوا الثروات، وأن يغيروا من مظاهرهم، ويلمعوا صورهم.
لكن لن يستطيعوا أبدا أن يغيروا حقيقة ماضيهم وتاريخهم، وكيف تمكنوا بخفة يد من السطو على كل هذه العقارات، والأموال الغامضة، حتى لو تنكروا لهذا التاريخ، ولكل الذين يعرفونهم.
وقد حان الوقت بعد رقمنة إدارات البلاد، وتوحيد معلوماتها، أن يطلع المغاربة على لوائح كل المستفيدين من ثروات البلاد والعباد، بما في ذلك لوائح بعض الأثرياء الذين يختبئون وراء المؤسسة الملكية أو محيطها.
إن جائحة كورونا تستلزم اعلان ما يسمى ب”اقتصاد الحرب” لمواجهة تداعياتها السلبية الخطيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
خاصة أن الدولة في هذه الظرفية الصعبة لم تجد سوى موظفيها والشغيلة من أبناء الشعب البسطاء لتحارب بهم هذا الوباء الخطير، والباقي منهم يعانون اليوم قساوة الحجر الصحي داخل شقق ومنازل تشبه القبور.
وهذا الصنف من البناء المهين للكرامة الإنسانية أغتنى من ورائه كثيرون من بين هؤلاء الأثرياء الذين لم يكتفوا بأن أداروا الظهر للدولة والوطن في هذا الوقت العصيب، ولم يساهموا بأي سنتيم لفائدة الصندوق الملكي، بل تواروا عن الأنظار بطريقة استعلائية خلف أسوار قصورهم الفخمة، وفيلاتهم الفسيحة الموزعة بين البر والبحر لينعموا بأموال الشعب.