تتزايد معاناة النساء ضحايا العنف، خلال فترة الحجر الصحي الذي تفرضه حالة الطوارئ الصحية جراء جائحة “كورونا”، بحيث ارتفعت حالات النساء المعنفات داخل المنازل، وهي الظاهرة التي كانت دائماً حتى قبل “الجائحة” محلّ تحذير واحتجاجات من طرف الناشطات النسائيات والحركات الحقوقية عموماً.

وحسب المعطيات التي توفرها مراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف، التابعة لجمعيات نسائية وحقوقية، فقد تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد الحالات المتوافدة على المراكز، خلال فترة الحجر المنزلي الذي تمر منه بلادنا.

وتؤكد هذه المعطيات، أن النساء أصبحن عرضةً لكل أنواع الإهانة والعنف اللفظي والجسدي وأغلبهن تعرضن للضرب، في ظل هذه الأجواء الاستثنائية التي تعيشها البلاد، مما يجعلهن غير قادرات على التعبير عن معاناتهن، ليبقى الملاذ الوحيد أمامهن هو اللجوء لمختلف وسائل التواصل (هاتف، واتساب، فايسبوك..)، لربط الاتصال مع مراكز الاستماع والتبليغ عن “الجرائم” التي ترتكب في حقهن.

والكارثة أن العنف في بعض الأحيان لا يقتصر على الضرب والسب، بل يصل إلى الاغتصاب الزوجي، حسب ما تتوصل به مراكز الاستماع التي تواصل معها “الأول”، ليتحول جسم هذه النساء إلى “مرتع لمختلف أنواع الإهانة وتفريغ عقد الحقد والعنف”.

واحدة من الحالات، استطاعت أن تبلغ السلطات عما تعرضت له من عنف، بمساعدة إحدى الجمعيات النسائية، شابة في الثلاثين من عمرها، متزوجة ولها طفلتان . بسبب الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، والظروف التي تجتازها بلادنا حاليا، تزايدت الخلافات مع الزوج بعد أن قضى ثلاثة أيام خارج المنزل، وما كان منه إلا أن انهال عليها بالضرب في مختلف أنحاء جسدها.

وتقول الشابة مريم، أنها عاشت لحظات عصيبة، وهي تشاهد زوجها يضرب الطفلتين، بل إنه قام بطردها من المنزل خلال فترة الطوارئ الصحية المفروضة، ولولا تدخل السلطات المحلية بالحي الذي تقيم فيه بمدينة فاس، لما استطاعت العودة إلى المنزل.

وأوضح جلال شهير، منسق مشاريع جمعية حقوق وعدالة في تصريح لـ”الأول”، أن الجمعية تماشياً مع إجراءات حالة الطوارئ الصحية التي أقرّتها السلطات، بسبب وباء فيروس “كورونا”، أطلقت على صفحتها بـ”فايسبوك ” مبادرة لفائدة النساء المعنّفات للتواصل معهن عن بعد، والتبليغ عما يتعرضن له من أنواع العنف في منزل الزوجية.

وتابع ذات المتحدث، لقد “قمنا بإحداث رقم أخضر خاص بمركز الاستماع والإرشاد التابع للجمعية، للاستماع للنساء وإرشادهن قانونياً ونفسياً، وبالفعل تلقينا العديد من الاتصالات من حالات بمختلف المدن المغربية”.

وأضاف جلال، “قمنا كذلك بالتنسيق مع مركزين للإيواء، أحدهما في حي سيدي مومن بالدار البيضاء، والآخر مركز “تيليلا” بالمحمدية، لإيواء النساء ضحايا الطرد من منزل الزوجية”.

مبادرة أخرى، كشفت تفاصيلها سعاد الطاوسي، الناشطة النسائية والحقوقية وعضوة جمعية التحدي للمواطنة والمساواة، حيث أن الجمعية خصصت وحدة مكونة من ستة أرقام لتلقي شهادات وتبليغات النساء ضحايا العنف. مؤكدةً أن “الوضعية جد مزرية، لأن أعداد النساء ضحايا العنف خلال الفترة التي نعيشها في تزايد كبير، حيث تتلقى الجمعية من 25 إلى 30 اتصال، من مختلف أنحاء المغرب، صاحباتها ضحايا لمختلف أنواع العنف، الجسدي والنفسي والاقتصادي، والتأكيد أن هناك حالات ولو قليلة للتبليغ عن عنف جنسي”.

وأوضحت الطاوسي، أن الوضعية التي تمر منها، “صحيح أنها عامة على الجميع، وأن الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية ووضعية الفقر، تلعب دوراً في تغذية العنف، لكن يكون العنف في أغلب الأحيان مسلط على الحلقة الأضعف وهن النساء”.

وتحدثت الطوسي بحسرة كبيرة، عن بعض الحالات التي تواصلت معهن، حيث ذكرت حالة سيدة تبلغ من السن 70 سنة تعرضت للعنف من طرف أحد جيرانها لا لشيء سوى أنه كان منفعلا فصب جامّ غضبه عليها، ولم تستطع هذه السيدة أن تنتقل للتبليغ، بحكم حالة الطوارئ الصحية، بل إنها تحتاج “لأربعة وسائل نقل” للتنقل من الدوار الذي تقطنه إلى مدينة سيدي بنور.

وفي بعض الأحيان ، تقول سعاد الناشطة النسائية، أنها تبقى بلا حيلة أمام الحالات التي تطلب المساعدة، خصوصاً ضحايا الطرد من بيت الزوجية، فأغلب مراكز الإيواء مقفلة، ولا تستطيع أن تنصحها بالعودة إلى المنزل، ولا بالبقاء في الشارع.

وكانت مجموعة من الجمعيات النسائية، قد وجهت رسالة إلى وزيرة المرأة والتضامن ووزير الصحة ووزير العدل، تؤكد من خلالها على أن “معدل العنف اتجاه النساء جد مرتفع ومن المرجح أن تزداد وتيرته تصاعدا، بسبب التوترات التي بدأت تظهر جليا داخل الأسر نتيجة الضغوط النفسية المرتبطة بوضعية الحجر الصحي”.

وأشارت إلى تسجيل “عدة حالات استغل فيها الأزواج الحجر الصحي من أجل ممارسة الضغط النفسي والإكراه الجسدي لإجبار زوجاتهم على التخلي عن حقوقهن”، مذكرة بأن العنف المنزلي يمثل 52 بالمئة من حالات العنف ضد النساء، بحسب معطيات رسمية.

ونبهت إلى أن الحد من التنقل بموجب حالة الطوارئ الصحية يصعب مهمة الجمعيات الحقوقية “للتجاوب السريع” مع الضحايا وتوفير خدمات الإيواء والدعم لهن.

ومن جهتها أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بلاغ لها توصل “الأول” بنسخة منه، على أهمية الحجر الصحي كإحدى الوسائل المتخذة لتجنب تفشي الوباء، لكنها حذرت في نفس الوقت، “من جعل النساء حطبا له، سواء من خلال ما يتحملنه من انعكاساته الخطيرة عليهن، أو من خلال التمييز ضدهن في مسطرة دعم الأسر المتضررة”.

وبالإضافة إلى مقاربتها لوضعية النساء خلال فترة الحجر الصحي المنزلي، من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الدولة المغربية إلى التجاوب مع رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بجعل حماية النساء من العنف شقا مندمجا في استراتيجية الدول للتصدي لانتشار وباء كوفيد 19، والذي اعتبره ضمانة لمشاركة النساء في تلك الاستراتيجيات كشرط أساسي في بلوغها الهدف المنشود.

وطالبت الجمعية، بإحداث رقم أخضر للتبليغ عن العنف المنزلي، وإنشاء أنظمة إنذار طارئة في الصيدليات، باعتبارها الأماكن الوحيدة التي لا تزال مفتوحة، طبقا لما جاء في نداء الأمين العام للأمم المتحدة·

التعليقات على ارتفاع أعداد النساء المعنفات في زمن “كورونا”.. منهن من تعرضن للاغتصاب والضرب والإهانات المتكررة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات

أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …