تقدم الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان بمذكرة تحمل تصوره للنموذج التنموي الجديد، للجنة المكلفة، التي يرأسها شكيب بنموسى في لقاء جمع الطرفان أمس الثلاثاء، حضره عدد من الحقوقيين وعلى رأسهم النقيب السابق عبد الرحمان بنعمر، ومنسق الإئتلاف عبد الإله بنعبد السلام، في إطار اللقاءات التي تعقدها اللجنة مع مختلف القوى والتنظيمات الوطنية السياسية والحقوقية والنقابية والمدنية.

وتبنت المذكرة تشخيصاً عاماً للوضع الحقوقي الذي تعيشه بلادنا، وعدد الائتلاف من خلالها (المذكرة) مظاهر “التراجعات الحقوقية”، و”التضييقات”  التي تمارسها السلطات في حق المدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء الحركات الاحتجاجية، وبعض التنظيمات الحقوقية والمدنية.

وتميز اللقاء الذي قدم خلاله الإئتلاف مذكرته للجنة، بالصراحة والوضوح في طرح القضايا، التي تشغل بال الفاعل الحقوقي، من خلال جرد عدد من الإشكالات الحقوقية التي شكلت نقط خلافية كبيرة بين السلطة والمدافعين عن حقوق الإنسان، وعكس كذلك، النقاش، حجم التوتر الذي ميز علاقة جزء من الجسم الحقوقي في المغرب والدولة.

أما بخصوص المذكرة التي تقدم بها الإئتلاف فهي لم تختلف في مضمونها عن التقارير التي ظل يصدرها منذ إنشائه في 2011، وعن المطالب التي يرفعها في مختلف المناسبات، واصفاً ما تعيشه بلادنا على مستوى الحقوقي، بـ”التراجعات الحقوقية”؛ وجردت المذكرة مختلف الأحداث الحقوقية التي ميزت الوضع الحقوقي في السنوات الأخيرة.

وريط الائتلاف الحقوقي الذي يضم أكثر من 20 هيئة ومنظمة حقوقية، وتشكل قبيل انطلاق حركة عشرين فبراير سنة 2011، النموذج التنموي الجديد الذي تعمل اللجنة على صياغته، بـ”الإرادة السياسية الفعلية للدولة في عرض تنموي حقيقي”، حيث أكد الائتلاف على ضرورة اتخاد تدابير آنية ومستعجلة من ضمنها، “إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وجعل حدّ للاعتقال بسبب الرأي، عرض ملفات النهب وسوء التدبير على القضاء، ورفع كل اشكال التضييق على المجتمع المدني، تحريك الشكايات المرفوعة ضد المشتبه في تورطهم في قضايا التعذيب وسوء المعاملة ،وفتح تحقيق في كل القضايا الحقوقية التي التزمت الدولة بفتح تحقيقات بشأنها دون أن يتم ذلك”.

وتضمنت المذكرة ما اعتبرها الائتلاف “إجراءات ضرورية لنموذج تنموي جدير بهذا الاسم”، والمتمثلة في “وجود إرادة سياسية حقيقية لبناء تعاقد جديد من أجل مستقبل أفضل للشعب المغربي. مما يستوجب إعمال المغرب ما أعلن عنه في مناسبات سابقة من التزامات في مجال حقوق الإنسان، وفي مقدمته تصديق الدولة المغربية على جميع المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان وكل البروتوكولات الملحقة والمكملة، ورفع جميع التحفظات المرفقة بالمصادقات، وخصوصا ما يتعلق منها بالإقرار بالمساواة التامة بين المرأة والرجل في إطار المواطنة الكاملة. والعمل على ملاءمة التشريعات الوطنية مع مبادئ ومقتضيات المواثيق الدولية، وفي مقدمتها الدستور، مع الإقرار الفعلي لمبدأ سمو المعاهدات والمواثيق الدولية المصادق عليها على القوانين الوطنية، والتزام القضاء المغربي بتطبيقها بالأسبقية على القانون الوطني”.

وأضاف الائتلاف في مذكرته “في انتظار ذلك، على الدولة أن تلتزم بالتطبيق السليم للمضامين الإيجابية التي تضمنها دستور يوليوز 2011 في الباب المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، وملاءمة التشريع الوطني معها، وسن مقتضيات قانونية ديمقراطية تمكن المجتمع المدني من القيام بأدواره الدستورية الجديدة خاصة فيما يتعلق بتقديم الملتمسات والعرائض بعيدا عن منطق التحكم والوصاية”.

وطالب الاإئتلاف بـ”القيام بمراجعات جذرية لمقومات السياسة الجنائية، بهدف حماية الأمن القانوني وضمان الأمن القضائي، وأسس المحاكمة العادلة انطلاقا من البحث التمهيدي والتحقيق القضائي إلى مراحل المحاكمة مع إعادة النظر في مساطر الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وفلسفة العقوبة وتنفيذها ونظام السجون، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب لما يجسده من مساس بمقومات السياسة الجنائية والحقوق الأساسية والحق في الدفاع والحق في الحياة الخاصة، مع المطالبة بمراجعة قانون العدل العسكري”.

بالإضافة إلى “ضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وممارسة حرية الرأي والتعبير والتنظيم وحرية الإعلام والصحافة، واحترام الفكر وحرية المعتقد وحرية التجمع والاحتجاج السلميين، وحرية الانتماء والحق في التنقل، والاحترام التام لكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بالنسبة لكافة المواطنات والمواطنين، بما فيها الحق في الإضراب والحريات النقابية، والحق في الشغل والسكن اللائقين وفي الحماية الاجتماعية والتعليم المجاني والجيد والحق في التغذية وفي الصحة والولوج للعلاج، والحق في العيش الكريم…”.

ومن الإجراءات الازمة والضرورية حسب مذكرة الإئتلاف، “ضمان الحق في البيئة السليمة والحق في التنمية المستدامة اللذين يستوجبان وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، فيالتنمية وفى التوزيع العادل لثمارها”.

وقال الإتلاف في مذكرته “إن التنمية الحقيقية تقتضي الاحترام التام للغات الأم للجميع باعتبارها رافعة لضمان الإشراك والمشاركة مما يستوجب تفعيل المقتضى الدستوري بشأن إقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وحماية الحق في استعمال اللغات الوطنية وحماية مختلف مكونات الثقافة المغربية محليا ووطنيا..”.

كما أن “التنمية الحقيقية هي التنمية المستدامة التي تنبني على الحفاظ على الثروة الوطنية والأراضي والموارد وحماية الما العام والقطع مع كل أشكال اقتصاد الريع ومظاهر الرشوة، وجعل حد للإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة والمهربة”.

وأشار الإئتلاف في مذكرته إلى  أن “التنمية لا يمكن أن تتحقق في ظل ارتهان الاقتصاد الوطني والقرار السياسي إلى الخارج، بما فيه تضخم المديونية التي تمس بحق الشعوب في تقرير مصيرها وتحررها من الاستعمار وجميع أشكال الهيمنة الأجنبية، ونيل حقوقها الأساسية”،

موضحاً أن “التنمية يجب أن تنبني على القيم الإنسانية النبيلة المستمدة من الثرات الإنساني العالمي وأساسا منها القيم الحقوقية الكونية مما يستوجب نبذ كل أنواع التمييز والتفرقة العنصرية والكراهية واضطهاد المهاجرين، سواء المغاربة منهم المقيمين بالخارج، أو المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء المتواجدين ببلادنا. مما يتطلب من الدولة مراجعة سياساتها في التعامل مع المهاجرين القادمين إلى المغرب بما يتلاءم والاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم، فالهجرة شكلت عبر التاريخ عاملا إيجابيا في تحقيق التنمية وليس العكس”.

وتساءل الإئتلاف في مذكرته، هل هناك نموذج تنموي فاشل؟، موضحاً في ذات السياق أن “الإقرار اليوم بفشل النموذج التنموي يحيل على سؤال عن مدى وجود نموذج تنموي فعلي في العقود الأخيرة،كفيل بأن يكون موضوع تقييم، خاصة منذ توقيف محاولات الحكومات الأولي لنهاية الخمسينات لوضع البلد على سكة التنمية المبنية على استقلال القرار الاقتصادي والسياسي”.

مضيفاً “ففي المرحلة التي تلت 1956 وضعت سياسات غايتها السير بالبلاد في اتجاه استقلالها الاقتصادي وفك الارتباط بالبلد المستعمر وتنويع العلاقات الاقتصادية مع الدول الأجنبية، وخلق العملة الوطنية، والتوجه نحو التصنيع، وعدم اقتصار مصادر خلق الثروة على الفلاحة. لكن تلك المحاولات تم توقيفها وتمت عرقلة بناء نموذج تنموي ببلادنا”.

وأكد الإئتلاف على أن “الإقرار الفعلي بفشل النموذج التنموي يستوجب الوقوف عند أسباب عرقلة مجهودات التنمية الحقيقة للبلاد خلال الستين سنة الأخيرة، وفشل الاختيارات التي اتبعتها الدولة منذ عقود في تحقيق التنمية الحقيقة، وطرح السؤال حول مدى ارتباط ذلك بفشل الدولة في تنفيذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، التي هي كما هو معروف، تتضمن ليس فقط الحريات السياسية والحقوق المدنية التي تمت الإشارة إلى بعضها، ولكن أيضا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والحقوق الفئوية”.

 

التعليقات على “الأول” ينشر تفاصيل المذكرة التي تقدم بها ائتلاف هيئات حقوق الإنسان للجنة بنموسى حول تصوره للنموذج التنموي مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

النيابة العامة تأمر بتعميق البحث مع عبد الله بوصوف وسعيد الفكاك والتهم خطيرة 

كشف مصدر مطلع لموقع “الأول”، أن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيض…