اعتبرت لطيفة أخرباش رئيسة الهيأة العليا للاتصال السمعي-البصري (هاكا) ، اليوم الجمعية بالرباط ، أن محاربة العنف القائم على النوع لا يمكن أن يتم بالتوصيف والاستنكار فحسب، بل من خلال دعم وإنعاش الممارسات الفضلى في مجال النهوض بثقافة المساواة ومحاربة الصور النمطية القائمة على النوع الاجتماعي.
واكدت أخرباش خلال يوم دراسي نظمه (الكرسي الأكاديمي للا مريم للمرأة والطفل) ، حول موضوع “العنف المبني على النوع”، أن الهاكا ، اعتبارا لانتدابها الدستوري وبالنظر لمهامها المؤسسية كهيأة لتقنين الاتصال السمعي-البصري ، تقدم إسهاما دالا في إعمال التأمل المتجدد والتحرك المؤثر للرفع من اليقظة والحس النقدي الجموعي إزاء المضامين التمييزية والتنميطية ضد المرأة في وسائل الإعلام السمعية-البصرية.
وتابعت أن الهيأة تسهر على ذلك من خلال التقارير الموضوعاتية والإطارات المعيارية والقرارات الزجرية التي تصدرها، مع الاستحضار الدائم لواجب ضمان الممارسة الحرة للاتصال السمعي-البصري، وواجب التمييز بين ما يندرج ضمن مهام السلطة القضائية وما يندرج في إطار تقنين الإعلام.
وأوضحت أنه في زمن الثورة الرقمية وشمولية ظاهرة التواصل، صار لخطاب العنف القائم على النوع قدرة وفرص غير مسبوقة للانتشار، يغذيه اعتبار الأنترنيت “فضاء للاقانون” يتيح كل التجاوزات ويحرر كل الكلمات، حتى تلك الأشد عنفا. مع بعض مواصفات التواصل الرقمي كالإبحار بهويات مجهولة والخضوع لقوانين الخوارزميات والاعتماد على مضامين جاذبة للبوز والإشهار، تجعل محاربة العنف القائم على النوع مستعصية.
وأبرزت رئيسة الهاكا أن إصدار القوانين وآخرها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إن كان مكسبا حقوقيا معتبرا، فإن استمرار انتشار المضامين الإعلامية المتسمة بتمثيل مجحف ودوني للمرأة وبمس صارخ بكرامتها وأحيانا بتأليب صريح ضدها، يدل على أن ضمان نفاذية هذه القوانين يمر حتما عبر الاشتغال على واجهتين متلازمتين تتمثلان في واجهة إجرائية أساسها سيادة القانون وإعمال تدابير وقائية وحمائية وزجرية وتكفلية، وواجهة تواصلية إلزامية تروم كسر جدار الصمت وإشاعة ثقافة المساواة ونشر قيم المواطنة، ووقف دوامة إعادة إنتاج مظاهر العنف عبر التطبيع الإعلامي معها، مما يمهد انتقالها من جيل لآخر.
وقالت إن طرح موضوع العلاقة بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسة والمضامين الإعلامية، يحيل على ثلاثة مستويات، يهم المستوى الأول مدى حضور موضوع العنف ضد المرأة في المضامين الإعلامية ومستوى الاهتمام المرصود له في وسائل التواصل حيث إن أرقام تقرير المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2019، تبرز بشكل جلي انتشار وشيوع العنف ضد النساء في المجتمع، بينما يتعلق المستوى الثاني بمواصفات المعالجة الإعلامية لظاهرة العنف ضد النساء، حيث أظهرت عدة دراسات أن التناول الإعلامي في المغرب ، كما في دول عدة ، يتسم بعدة نقائص.
وأفادت بأن المستوى الثالث الذي يمكن من رصد العلاقة بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسة التواصلية، فيكمن في المضامين الإعلامية الحاملة بنفسها للعنف، إذ من الضروري التوقف عند معطى ثابت مفاده بأن المرأة هي الضحية الأولى لخطابات الكراهية في وسائل الإعلام.
وحسب أخرباش، فإنه رغم المستوى الاستثنائي لشيوع ظاهرة العنف هذه، يبقى تناول الإعلام له مناسباتيا وموسميا. وإذا كانت معاناة النساء المغربيات مع العنف لا تجد لها صدى وحضورا في الإعلام بالقدر والشكل المطلوبين، فذلك لا يعني أن الإعلام وحده مسؤول عن هذا التقصير، بل يعزى الأمر أيضا إلى جدار الصمت الذي تتوارى وراءه العديد من القصص الإنسانية والمآسي المجتمعية.
وتابعت أن الأرقام المقدمة لا تعكس حقيقة كل العنف الممارس، لأنها لا تهم إلا الحالات التي تجاوزت فيها النساء المعنفات الحاجز النفسي والمادي الذي يغذيه إحساسهن بالذنب والعزلة ويحول بينهن وبين إيصال أصواتهن وتظلماتهن إلى بنيات الإنصات والاستقبال والإيواء ودوائر الأمن والقضاء، مشيرة إلى أن إيلاء الإعلام اهتماما أكبر بالموضوع، من شأنه أن يسهم في ردم الهوة بين حجم الظاهرة في الواقع الميداني والتمثل الفردي والجماعي لواقع هذا العنف.
ويهدف اليوم الدراسي الذي عرف مشاركة وزراء وأعضاء المجلس العلمي للكرسي إلى جانب ثلة من الخبراء والمختصين والمسؤولين بالمؤسسات ذات الصلة، إلى دراسة كافة جوانب العنف المبني على النوع، وترسيخ ثقافة اللا عنف تجاه المرأة.
وتتضمن خطة عمل (الكرسي الأكاديمي للا مريم للمرأة والطفل) الذي يوجد مقره بجامعة محمد الخامس بالرباط، مجموعة من المحاور، ترتكز على مبدأ ترصيد وتثمين التجارب الدالة والناجحة المنجزة من طرف مختلف المتدخلين في مجال المرأة والطفل، حيث قرر مجلسه العلمي في دورة 24 دجنبر 2019، أن تكون التظاهرة العلمية الأولى للكرسي، برسم سنة 2020، يوما دراسيا يخصص لموضوع “العنف المبني على النوع”، لما له من أهمية قصوى بالنسبة للمجتمع.