أصدرت الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة تقريراً سياسياً، رسم صورةً قاتمة عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المغرب، وكعادتها لم تتردد الجماعة في تقريرها تحميل المسؤولية للدولة التي تصفها بـ”المخزنية” في ما وصلت إليه الأوضاع على عدة مستويات.

وانطلقت الجماعة في تقريرها من تقديم عام يشرح وجهة نظرها للمسار السياسي المغربي ونظام حكمه، بل وانتقدت بشدة التدبير السياسي عموماً لمؤسسات الدولة في عدد من القطاعات، كما تطرق التقرير السياسي للدائرة السياسية للجماعة إلى تعاطي الأجهزة الأمنية والدولة عموماً مع مختلف الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها البلاد، وكذلك ما وصفته بـ”التضيق على الحقوقيين والأصوات المعارضة”.

وقالت الجماعة إنه “على مدى العشرين سنة الماضية، واصلت بنية السلطوية تجريف المشهد وتبخيس العمل السياسي، وإضعاف مؤسسات الوساطة ومحاربة المعارضة والتضييق عليها وإقصاءها. هذا الإضعاف والإقصاء اللذان أصبحا واقعا يعيق مسار التغيير، إنما هو مسلسل طويل وسلوك مخزني راسخ، وعمل سلطوي دائم، وهدف قائم في مسار التحكم والتسلط. فأن توضع العقبات من الداخل لعرقلة تشكيل الحكومة مثلا، وأن يصادَر القرار الحزبي المستقل ليتماهى تماما مع خيارات الدولة، وأن يتحكم حزب حديث النشأة في خارطة التحالفات ويكتسح الانتخابات، وأن يصبح الحوار الاجتماعي واجهة لتصريف خيارات السلطة وضرب مصالح العمال وامتصاص الغضب الجماهيري المتنامي، وأن يجري كل ذلك بثنائية عصا “السلطوية” وجزرة “النفعية”، وأن تحاصر القوى الحية وتصادر حقوقها في التنظيم والتعبير والمشاركة العامة، كل ذلك يشكل جزءاً أصيلاً من أغراض النظام الحاكم، حتى لا يزاحم شرعيته وفاعليته وقوته ومبادرته أحد، وحتى تظهر تلكم الوسائط الحزبية والنقابية بمظهر الضعف والمصلحية والمكيافيلية والشعبوية”.

وأوضح تقرير إحدى أقوى التنظيمات الاسلامية في المغرب، أن “هناك سياسة رسمية تروم إضعاف الوسائط السياسية وتبخيس عملها. ويترتب عليها ضعف مركب للمؤسسات المنتخبة التي يفترض أن تستمد قوتها من شعبية ومصداقية التنظيمات المشكلة لها، أَمَا وأن تلك التنظيمات تعيش أزمة قوة تنظيمية وشعبية فلا تسل لا عن قوة الحكومة التي تشكلها ولا عن قوة البرلمان الذي تُمَثَّل فيه. ولعل التعديل الحكومي الأخير (أكتوبر 2019) أبرز مرة أخرى كيف يتم التحكم في تشكيل الحكومات، وكيف تسيطر يد المخزن على أهم مفاصل السلطة التنفيذية، فضلا عن ادعاءات توظيف وتشجيع الكفاءات بشكل أفقد الكفاءة معناها ومبتغاها”.

وقاربت الجماعة قضية المرأة من زاوية مغايرة في تقريرها، مشيرةً إلى ما وصفته بـ”مغربيات شهيدات لقمة العيش”، حيث تابع التقرير “على إيقاع رصاصة الموت التي قتلت حياة بلقاسم “شهيدة الهجرة” طوى مغرب 2018 صفحات إنجازاته “التاريخية” لصالح المرأة المغربية ليفتح صفحة جديدة من سجله القديم عنوانه البارز هذه السنة “شهيدات لقمة العيش، نساء بائسات كن ضحايا حوادث مروعة تسبب فيها تكالب ثالوث: سياسات فاشلة ورأسمال جشع ومحاسبة غائبة”.

المصدر ذاته أضاف: “إذ توالت تباعا وفي فترات متقاربة كل من حادثة مولاي بوسلهام التي ذهبت ضحيتها ثمان عاملات مزارعات في ضيعات الفراولة وفي معامل التلفيف، ثم حادثة انقلاب حافلة كانت تقل عاملات في معمل تصبير السمك بضواحي أكادير خلفت شهيدتين وأكثر من خمسة وعشرين جريحة، لتنضاف إليهما فاجعة تسرب غاز سام بوحدة لتصنيع كابلات السيارات بالقنيطرة تسبب في إصابة العشرات من العاملات باختناق ووفاة عاملتين وفقدان أخرى لجنينها. فضلا عن الحوادث المتكررة لنساء يقتتن على نقل البضائع من سبتة المحتلة في أوضاع مهينة وظروف صعبة”؛ وتابع التقرير ” استغلال اقتصادي وتحرش جنسي. ومعاناة أخرى عابرة للقارات طالت الدفعة الحالية للعاملات المغربيات في مزارع الفراولة بإسبانيا حيث اشتكت بعضهن من تكرار الاعتداءات الجنسية والابتزاز من قبل أرباب المزارع وصل درجة إجبارهن على الإفطار في شهر رمضان”.

وأفاد التقرير “لتظل هذه الوقائع، وغيرها كثير، مؤشرا واضحا وكاشفا عن حقيقة الوضع الذي تعيشه فئة عريضة من المغربيات بحيث لم تعد تستطيع حتى التقارير الرسمية تجاهلها بله إخفاءها. ولا أدل على ذلك من البحث الوطني حول موضوع “انتشار ظاهرة العنف ضد النساء” والذي عرضت نتائجه الأولية في أواسط شهر ماي 2019. هذا البحث الذي حفل بمعطيات مثيرة حول العنف الذي تتعرض له المرأة المغربية، النفسي والاقتصادي والجسدي والجنسي”.

على المستوى الوضع الحقوقي وحرية التعبير، لم يختلف تشخيص الجماعة له عن ما خلصت إليه في المجالات الأخرى التي تطرق إليها تقريرها، وقالت: “اهتز الرأي العام الوطني والدولي لقرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتأييدها الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية في حق معتقلي حراك الريف، ما خلف استياء عارما، حيث شدد العديد من الحقوقيين على أن هذه الأحكام تأكيد على واقع القضاء المغربي الذي أخلف الموعد من جديد مع الحق والقانون. فقد تميزت هذه القضية منذ بدايتها بخروقات عديدة ابتداء من أسباب الاعتقال إلى ظروفه ثم أطوار المحاكمة التي كانت تفتقر لشروط العدالة وانتهاء بالأحكام الصادرة في حق المعتقلين. وما تلا ذلك من ترحيل عدد كبير منهم وتوزيعهم على أحد عشر سجنا مما زاد من معاناتهم ومعاناة عائلاتهم”.

ولم تفوت الجماعة الفرصة للتطرق إلى احتجاجات الأساتذة المتعاقدين، حيث جاء في تقريرها “من ذلك ما تعرض له الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد من تدخلات أمنية متكررة ضد مسيراتهم الاحتجاجية، مما خلف عشرات الجرحى، وأدى إلى وفاة السيد عبد الله حجيلي (أب أستاذة) بعد قضاء أكثر من شهر في غيبوبة داخل المستشفى، على إثر تدخل أمني لتفريق مسيرة سلمية لهؤلاء الأساتذة يوم 24 أبريل 2019، لتتكرر مأساة قتل الشهيد كمال العماري وآخرين على يد أمنيين، وطمس ملفاتهم أمام سياسة الإفلات من العقاب التي تتبناها الدولة عندما تتورط أجهزتها في قضية من القضايا الحقوقية”.

وعادت الجماعة للحديث مرةً أخرى عن ملف تشميع بيوت أعضائها وقياداتها في عدد من المدن من طرف السلطات، وقالت في هذا الصدد: “لم تقتصر الدولة على مصادرة الحق في الاحتجاج السلمي بل تعدته للتضييق على الحق في استغلال السكن الخاص حيث عمدت إلى تشميع مزيد من البيوت الخاصة لأعضاء من جماعة العدل والإحسان ليبلغ عددها أربعة عشرة بيتا، في مدن وجدة وفاس وطنجة وتطوان والمضيق وأكادير والقنيطرة والدار البيضاء والجديدة وآسفي ومراكش وبوعرفة، في إطار حملة ممنهجة وممركزة تهاوت معها كل التكييفات الواهية، التي حاولت بها الدولة تبرير هجمتها التي تفتقر إلى سند قانوني يسعفها فيما قامت به من انتهاكات. كما تهاونت الدولة في حماية هذه البيوت حيث تعرضت بعد تشميعها للسرقة والإتلاف والتخريب. فالدولة هي المسؤولة عن تأمينها بعد طرد أصحابها منها ومنعهم من ولوجها. كل ذلك جعل النسيج الحقوقي والفاعلين المجتمعيين يجمعون على إدانة هذه الانتهاكات والممارسات الخارجة عن القانون”.

وفيما يتعلق ببعض الملفات التي عرضت على القضاء أو التي لا زالت في طور ذلك والتي خلقت جدلاً وسط الرأي العام الوطني، قالت الجماعة في تقريرها: “استمرت المحاكمات غير العادلة للصحفيين حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين، وتعرض الناشطان الإعلاميان سعيد بوغالب وعدنان أحمدون وآخرون لمتابعات في عدة قضايا أمام المحاكم”.

التعليقات على تقرير للعدل والإحسان يرسم صورة قاتمة عن المغرب: “السلطوية تواصل تجريف المشهد وإضعاف المؤسسات ومحاربة المعارضة” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

هذا ماقررته المحكمة في محاكمة طبيب التجميل التازي وزوجته ومن معهما

قرّرت المحكمة تأخير جلسة محاكمة طبيب التجميل التازي ومن معه إلى غاية الجمعة المقبل من أجل …