ربورطاج- علي جوات
لم يكن يوماً عادياً، كل المؤشرات كانت تشير إلى أن محاكمة الصحافية هاجر الريسوني، لن تمُرّ في ظروف عادية، بالنظر إلى الوجوه التي اجتمعت أمام المدخل الرئيسي للمحكمة الإبتدائية بالرباط أمس الإثنين. فقد تشابكت أيدي المتضامنين ورفعت صورة هاجر من طرف الحقوقيين والمثقفين ومناضلات الحركة النسائية، وزملائها الإعلاميين.
الكل عبر عن استنكاره لاعتقالها ومتابعتها، بتهم أجمع المتضامنون معها حتى وإن قامت بها فعلاً، كما دبج محققو الشرطة القضائية في محاضرهم، فإنها تدخل في نطاق حريتها الفردية ولا يجب لا اعتقالها ولا متابعتها أصلا، وهذا ما عبر عنه رجل الأعمال كريم التازي، أحد الشخصيات التي حضرت الوقفة التضامنية في تصريح لـ”الأول”.
المشهد اكتمل بتواجد مكثف لرجال الأمن بالزي الرسمي والمدني، وبمجرد أن انتهت الوقفة التضامنية التي طالب فيها المحتجون بإطلاق سراح هاجر، تكدس الجميع من صحفيين وحقوقيين وأفراد من عائلة هاجر أمام الباب الصغير للمحكمة والذي طوقه رجال الأمن، يفتشون هويات وحقائب _ مع العلم أنها محاكمة علنية_ الراغبين في حضور أولى جلسات محاكمة الصحافية هاجر الريسوني ومن معها.
وسط القاعة التي احتضنت المحاكمة اصطف المحامون الذين فاق عددهم الثلاثين في الأربع صفوف الأمامية، وعلى يسار القاضي كان المتهمون في ملفات أخرى التي تنظر فيها هيئة الحكم، وفي المقعد الخلفي كانت هاجر تلبس جلبابا أسود اللون وتضع “منديلا” على رأسها لونه أخضر.
هاجر لم تكف عن التلويح بيدها إلى زملائها الصحفيين وأصدقائها من المتضامنين معها، توزع الابتسامات، بالرغم من وجود الشرطي الضخم البنية الذي ظل يلازم مقعدها. كما أن محاميها ظلوا يتناوبون على المقعد الموجود بجانبها لمحادثتها بين الفينة والأخرى.
انطلقت الجلسة وتقدم شيخ الحقوقيين النقيب عبد الرحمان بنعمرو، وهو يقود دفاع الصحافية هاجر الريسوني، بملتمس بإسم الدفاع بتأجيل الجلسة لإعداد الدفاع، والإطلاع على ملف المتابعة، واستجاب القاضي في الحين ومن دون تردد معلناً تأجيل الجلسة حتى 16 شتنبر الجاري.
لكن الجلسة لم تنته، فقد تناوب دفاع هاجر الريسوني ومن معها من المعتقلين على أخد الكلمة لإلتماس السراح المؤقت لموكليهم، أولهم كان النقيب عبد الرحيم الجامعي الذي كانت كلماته قوية خصوصاً مع انفعاله وصراخه إثر كل عبارة يطلقها في وجه المحكمة.
“إننا أمام تغول النيابة العامة، من المستحيل أن يكون الملف تلبسي!!.. نحن أمام استعمال سيء للقانون ولا وجود لحالة تلبس.. إننا في زمن توسيع نطاق الاعتقال ولسنا أمام حماية الحريات.. كلنا مشاريع معتقلين”، هكذا صرخ النقيب الجامعي مدافعاً عن الصحافية المعتقلة.
وتابع النقيب الجامعي بذات النبرة العالية والتي كان وقعها كبير على الحاضرين ممن تابعوا جلسة الإثنين، “هاجر الريسوني ليست معتقلة بل هي رهينة لدى جهات مُغتصبة للسلطة”.
وبينما جاء تلميح النقيب الجامعي لوجود جهات لم يسمها، تتحكم في القضية بالتعليمات تدخل القاضي بهدوء منبها: “ليس هناك من يعطي التعليمات”.
وعلى هذا المنوال توالت مرافعات الدفاع، حيث نفى المحامي عبد المولى المروري، وجود إجهاض ولا حالة فساد قائلا:” لا وجود لإجهاض ولا لفساد، إن الاعتقال تم بناءً على واقعة مختلقة، لقد توجه ضباط الشرطة القضائية إلى هاجر في الشارع العام وقاموا بطرح أسئلة هدفها إنتزاع تصريحات لتبرير اعتقالها بناءً على جريمة وهمية، لا وجود فيها لتلبس”.
وبعد أن أكمل عبد المولى المروري مرافعته، تدخل المحامي سعد السهلي، الذي استند في طلبه للقاضي بتمتيع الصحافية هاجر الريسوني بالسراح المؤقت على بلاغ المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي “أَمَلَ إطلاق سراح هاجر بشكل عاجل”، معتبراً (الماروري) أن “المجلس مؤسسة رسمية للدولة وهو يعبر عن وجهة نظر مغايرة لمؤسسة أخرى وهي النيابة العامة”.
من جهتها حاولت النيابة العامة مواجهة مرافعات الدفاع بالإستناد على ما وصفتها بشرعية القانون، وأن “القانون الجنائي واضح ويعاقب على جريمة الإجهاض والفساد”، وأن المتابعة في حالة اعتقال جاءت بناءً على حالة تلبس.
ووصفت النيابة العامة في شخص ممثلها خلال المحاكمة أن حالة التلبس ليست كما صورها الدفاع بل إنها “تابثة” وليست متعلقة بالأشخاص فقط بل هي “واقعة”، تستمد “مشروعيتها” من المادة 56 من القانون الجنائي، وهو ما اعتمدته في قرارها، وأن ما أدلى به الدفاع من معطيات عبارة عن “مغالطات”.
تواصل الجدل القانوني الذي جر اهتمام الحاضرين، والذي كان من بينهم حقوقيون وصحفيون وممثل عن السفارة السودانية بالمغرب، لمتابعة المحاكمة التي يعد أحد أطرافها خطيب هاجر السوداني، هذا الأخير كان يجلس في المقعد المتواجد مباشرةً أمام هاجر، وكانا يتبادلان الحديث بين الفينة والأخرى بينما أعين الحاضرين تلاحقهم.
لم يستسلم دفاع الصحافية ومن معها لتعقيب النيابة العامة. بل رد كل من المروري والسهلي بنفس الحجج وبنفس الحماس، بالإضافة إلى مرافعة مريم مولاي رشيد محامية الطبيب المعتقل في الملف والمتهم بإجراء الإجهاض المفترض، هذه الأخيرة توجهت إلى النيابة العامة بكل ثقة متهمةً إياها بإضافة تهمة في القانون الجنائي وهي “انقاد حياة إنسان في خطر”.
وأكدت مريم مولاي رشيد، على أنه لن يجرؤ طبيب منذ اليوم على أن يتدخل لانقاد شخص في وضعية خطر، لأن النيابة العامة بهذه المتابعة تعطي عبرة لباقي الأطباء بأن من يتدخل لهذا الغرض سيكون مصيره السجن.
هدأت المعركة القانونية بين أطراف المتابعة، وتدخل القاضي معلناً تأخير قرار المحكمة في طلب دفاع الصحافية هاجر الريسوني ومن معها من المعتقلين، الرامي إلى تمتيعهم بالسراح المؤقت إلى غاية نهاية الجلسة، ليخرج الجميع من القاعة وتتحول المحاكمة إلى خارج المحكمة وسط المقاهي المجاورة في انتظار القرار.
وبينما الكل ينتظر ظهرت هاجر وباقي المعتقلين ورجال الأمن يقتادونها إلى سيارة السجن في اتجاه زنزانتها لتبدأ الهتافات والتلويح بالأيادي نحوها.
وبعد أزيد من ساعتين من الإنتظار، خرج المحامي السهلي ليرمي بالخبر الذي نزل كالماء البارد على أفراد أسرة الريسوني المتضامنين مع الصحافية هاجر، المحكمة رفضت السراح وأعلنت إنطلاق مسلسل من الجلسات في محاكمة سيكون لها ما بعدها أكيدا.