يدخل المغرب مرحلة جديدة أطلقها الخطاب الملكي الأخير بمناسبة مرور 20 سنة من حكم الملك محمد السادس، خطوطها العريضة هي العمل على إنتاج نموذج تنموي جديد، يسهر على تنفيذه وترجمته على أرض الواقع كفاءات وأطر جديدة، تعوض النخب التقليدية.

وبينما أكد الخطاب الملكي عالى أن “نجاح هذه المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية”، كما أنها ستعرف “جيلا جديدا من المشاريع”، ولكنها في نفس الوقت يقول الملك محمد السادس، “ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”.

وأمام كل هذه التحديات التي أعلن عنها الملك.. هل تتوفر الأحزاب المغربية على الكفاءات المطلوبة للدخول في هذه المرحلة الجديدة ؟، وكيف يتم اختيار الأطر داخل الأحزاب لمناصب المسؤولية العمومية ؟. هذه الأسئلة حملها “الأول” إلى مجموعة من الفاعلين الحزبيين والباحثيين، وكانت هذه إجاباتهم..

 

بيتاس مصطفى*: لا يمكن الحديث عن النموذج التنموي الجديد بنخب تقليدية.. واختيار الوزراء داخل الأحزاب بالانتخاب بدعة

منذ بداية النقاش حول النموذج التنموي الجديد لبلادنا لم يناقش حزبنا الأفكار والإجراءات والنظريات فقط، لأن الأفكار كانت دائماً موجودة والمغرب يشتغل بأفكار متقدمة لكن كان نقاشنا كان كذلك حول تأهيل النخب وتجديدها.

وقد انصبت مناقشاتنا منذ سنة تقريباً على ثلاثة عناصر أساسية في معالجتنا لموضوع النموذج التنموي الجديد، النقطة الأولى تتمثل في النظريات الجديدة والأفكار التي ستمكن بلادنا من التقدم نحو نموذج تنموي يجعلها في مصاف الدول المتقدمة، والنقطة الثانية تتعلق بالنخب الجديدة والكفاءات التي ستواكب تنفيذ وتنزيل هذا النموذج على أرض الواقع، بحيث لايمكننا أن نتحدث عن نموذج تنموي جديد بنفس النخب التقليدية التي اشتغلت تقريباً منذ الاستقلال، والتي ارتبط تكوينها بالجامعة بعيداً عن المقاولة، وارتبطت قيمها بالإديولوجية.

وقد آمنا في التجمع الوطني للأحرار بضرورة تجديد النخب، حيث اشتغلنا على الروافد الحزبية سواء المهنية أو النسائية أو الشبابية لهذا الغرض.

ثالثاً، اللحظة السياسية والتي تأتي أساساً من إنضاج شروط نجاحها من قبل الأحزاب والنقابات والجمعيات، لأن جميع النجاحات التي عرفتها بلادنا في التاريخ جاءت عبر إنضاج شروط نجاحها، من خلال تضافر جهود الجميع.

في رأيي فإن اختيار الأطر من وزراء ومسؤولين داخل الأحزاب، لا يمكن أن يأتي عن طريق الانتخاب وأعتبر الأمر بدعة، فحزبنا يختار كفاءاته وأطره للمسؤوليات عن طريق الاستحقاق والخبرة التي راكموها داخل التنظيم الحزبي من خلال الاشتغال على ملفات.
يمكننا انتخاب رئيس المجلس الوطني أو رئيس الحزب، فهذه هي الديمقراطية والتداول على المسؤولية الحزبية، لكن لا يمكننا اختيار وزير عن طريق الانتخاب، لأن المسؤولية الحكومية، هي مرحلة تتويج لتنفيذ المخططات والسياسات وكل ما راكمته الكفاءة المعنية بالإختيار داخل الحزب.

عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار

سليمان العمراني*: كفاءات البيجيدي أبْرَزُ من نار فوق عَلَم.. والاختيار في المناصب الحكومية مؤطر بمسطرة

 

 

إذا لم يكن يتوفر حزب العدالة والتنمية على الكفاءات، فكيف يسير بنجاح مختلف القطاعات الحكومية ومجمل الجماعات الترابية فضلا عن إسهامه في تسيير أجهزة مجلسي البرلمان، ونجاحُهُ في تدبير الشأن العام مشهود به وأبْرَزُ من نار فوق عَلَم، ووجب التأكيد أن معظم هذه الكفاءات صقلتها الممارسة ومحصَتْهَا التجربة وهي اليوم مفخرة للبلاد وللمؤسسات، وإذا أضفنا إلى ذلك التقيد الصارم لمدبري الشأن العام من الحزب بنظام الحكامة بما يعنيه بصفة خاصة من قواعد وقيم النزاهة والشفافية والمراقبة واحترام القانون وصيانة المال العام، يُفْهَمُ أيُ إسهام يُسْهمُه حزب العدالة والتنمية من أجل بناء الوطن.

طبعا لا ينبغي أن يفهم من هذا أننا النموذج، على الأقل بالقياس لما ينبغي أن يكون في إطار الممكن، وما تزال أمام التأهيل الذاتي والمؤسساتي لتعزيز الكفاءة والخبرة فجوة معتبرة يتعين أن تردم.

المؤكد اليوم أن الخطاب الملكي يدشن لمرحلة جديدة تتطلب تعبئة إضافية للطاقات الحزبية لمواجهة استحقاقات هذه المرحلة والوفاء لمتطلباتها، وهو ما يسائل جميع الأحزاب السياسية ونحن من ضمنها، على مستوى إنتاج النخب الأقدر على الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام وتوليد الأفكار وإبداع الحلول للقطيعة مع خصاص المرحلة السابقة.

يخضع اختيار مرشحي الحزب لتولي المناصب التمثيلية العمومية لنظام انتخابي، يزاوج بين ترشيح ” القاعدة” وتزكية الهيئات المسؤولة، هو أحد أعمدة الديمقراطية الداخلية لحزب العدالة والتنمية.

وفي حالة الاختيار لمناصب المسؤولية الحكومية، فإن ذلك مؤطر بمسطرة صادق عليها المجلس الوطني للحزب، تنص على ثلاث مراحل في الاختيار:

– المرحلة الأولى: تتولى فيها لجنة، مكونة من 63 عضوا، ثلثاهم منتخبين من المجلس الوطني وثلثهم الباقي من الأمانة العامة، مهمة اختيار 5 مقترحين للترشيح لكل منصب حكومي سيؤول إلى الحزب، بعد الاقتراح الأولي والتداول ثو التصويت السري، لفرز المقترحين الخمسة؛

– المرحلة الثانية: تتولاها الأمانة العامة، بحيث تختار 3 مقترحين حسب كل منصب من ضمن الأسماء الخمسة التي أفرزتها المرحلة الأولى؛

– المرحلة الثالثة: يختار الأمين العام من ضمن المرشحين الثلاثة، المرشح الذي سيقترحه للترشيح وفق المقتضيات الدستورية.

*نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية

 

نبيل بنعبد الله*: الأحزاب المنغمسة في التربة المغربية تتوفر على الكفاءات المطلوبة.. ولا نختار الكفاءات في حزبنا بناءً على الصداقة

بالنسبة لسؤالك فهو جاء بصيغة عامة، ولكن سأقول لك أن هناك بعض الأحزاب المنغمسة في التربة المغربية والتي ولدت من رحم المجتمع تتوفر على الكفاءات، وحزب التقدم الإشتراكية من بينها، يتوفر على الكفاءات المطلوبة في عدد من المجالات.

إننا لا نختار الكفاءات في المسؤوليات الحكومية والسياسية بناءً على الصداقة أو المحاباة، كما قد يدعي البعض بل بناءً على معايير تتجلّى في التمكن والمعرفة العميقة بالمجال وقدرات مناضلينا، وليس انطلاقاً من معايير اعتباطية.

*الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية

 

عبد الحميد الجماهري*: الكفاءة الحزبية مطلوبة لإعادة الثقة.. ولا يمكن الحصول عليها بالديبلومات فقط

من المفروض أن تكون الأحزاب مشاتل للكفاءات، وهي المعيار الذي يتم به الاختيار داخل الأحزاب، لأن هناك كفاءات لا توجد إلا داخل الأحزاب فلا يمكن الحصول عليها بالديبلومات فقط.
فالكفاءة الحزبية تتميز بعدد من المميزات منها الإلتزام ونكران الذات ودفاعها عن المشروع وارتباطها بهموم المواطنين، وبالتالي فنحن في حاجة إليها.

وقد ركز الخطاب الملكي، على سلم القيم الذي من المفروض أن يتوفر في الكفاءات والأطر، من النزاهة وخدمة الوطن والدفاع عن الفقراء، والانحياز إلى الفئات المحرومة، تعتبر ضرورة وهذا المطلوب في الفاعل الحزبي.

ويجب أن أذكر بأنه في خطاب ملكي سابق، دعا جلالة الملك إلى إعادة النظر في دعم الأحزاب لتمكينها من استقطاب الكفاءات، وهو أمر مطلوب حسب الدستور الذي أكد على تأطيرها لتصبح هذه الكفاءات جزءً من طاقم الدول.

ومن المفيد أيضاً للدولة أن تكون مشروعية الكفاءات الحزبية متبوعة بالمحاسبة الجماهيرية والشعبية، بالإضافة إلى مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي نص عليه الدستور، ودافعت عليه القوى الديمقراطية.

إن الفاعل السياسي ليس مطلوب منه فقط الرفع من نسب النمو، لكن مطلوب منه أكثر من غيره تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات والبلد والسياسة.

وبالنسبة لاختيار الكفاءات نرجو أمام المرحلة الجديدة أن تكون هناك قدرة داخل الأحزاب على إقناع المناضلين بتحمل المسؤولية، في الحوار الداخلي، خصوصاً وأن هناك تأزيم لكيفية اقتراح الكفاءات.

عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

 

عبد العزيز أفتاتي*: العدالة والتنمية يتوفر على الكفاءات.. وهناك من الأحزاب من يصبغ بعض الأطر ويلحقها به

إن حزب العدالة والتنمية يتوفر كبعض الأحزاب المعتبرة على كفاءات، وسيعمل باستمرار في المستقبل على استدامة قدر كبير من الجاهزية في توفير هذه الكفاءات الملتزمة و المؤهلة قصد الإسهام من جانبه في الإصلاحات.

و هذه هي الوضعية الطبيعية التي تتطلب التعبئة و المساهمة بأحسن ما عندك من مؤهلات مناضلة و عضوية لخدمة الأمة المغربية.
عندما يتحدث الملك كرئيس للدولة عن تجديد النخب وتحديثها فذلك طبيعي و ضروري لأنه يحفز المجتمع برمته ومجموع الفاعلين، على التعاون و التنافس في فرز النخب المقتدرة.

وبخصوص تكليف الملك لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني باقتراح كفاءات جديدة في مناصب حكومية، فإن ذلك يعد تكاملاً بين المؤسسات لتنزيل المقاربة الجديدة مؤسساتيا بواسطة رئيس الحكومة كمسؤول أول عن السلطة التنفيذية.

والذي يعتبر أن هذا التوجه يتضمن نيلاً من الأحزاب، فهو لا يعدو أن يكون ضمن الكائنات وجوقة الفاشية والنكوصية المتربصة بالمسار الإصلاحي.

ومن يرفض الأحزاب ودورها الإصلاحي فهو في المحصلة و موضوعيا يدعم الفساد و يعمل على استدامة السلطوية. والمغرب دائماً كان يسير بجميع مؤسساته المعتبرة؛ بأحزابه التي تجسد التعددية والتنوع إلى جانب الملكية التي ترمز للأدوار السيادية والضمانية والتحكيمية الجامعة.

وفيما يتعلق بإختيار الأطر والكفاءات للمسؤوليات الحكومية والمناصب العمومية، فمعروف أن هناك أحزابا تقارب الموضوع عن طريق “باك صاحبي” وفي أحسن الأحوال يأتون ببعض أطر الإدارة و يتولون صباغتها و إلحاقها بهم.

في حين يتميز حزب العدالة والتنمية بتدرج الكفاءات ضمنه، من المرحلة التلمذية إلى المرحلة الطلابية ثم المهنية، كل ذلك عبر المتابعة والتكوين المستمر، و يكمل الحزب ذلك كله بانتقاء داخل المؤسسات و بالتصويت في النهاية لتحمل عبئ الانتدابات الانتخابية والمؤسساتية والجماعاتية والحكومية.

وهو ما سنعمل باستمرار على تجويده وبنزاهة لنخدم أمتنا لما فيه الخير ونتمنى أن نوفق في ذلك.

عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

 

عزيز إدمين*: الكفاءات داخل الأحزاب الوطنية تغلق عليها القنوات.. والمحسوبية والولاءات هي المهيمنة في الإختيار للمناصب

يصعب الجواب على هذا السؤال، لغياب دراسات سوسيولوجية حول تركيبة وأعضاء الأحزاب، ولكن من خلال تتبع عدد من التعيينات التي قامت بها الأحزاب السياسية خاصة في اللائحة الوطنية للنساء والشباب أو التعيينات في بعض المؤسسات العمومية والوطنية، فيلاحظ هيمنة الزبونية والمحسوبية والعائلات والقرابة في اختيار الأشخاص، وهم أشخاص “يحتلون” مناصب أكبر من حجمهم مما يجعل مردودية تلك المؤسسات ضعيفة.

قد توجد كفاءات في بعض الأحزاب، وأخص بالذكر الأحزاب الوطنية ولكن المصالح الشخصية والعائلية تقضي عليها وتغلق كل قنوات وصولها لمراكز المساهمة في صناعة القرار العمومي.

أما الأحزاب الأخرى وخاصة منها “الإدارية”، فلا يمكن الحديث عنها لانها لا تجد أي حرج في أن تصبغ أي إطار بلونها الحزبي إذا كان الهدف “احتلاله” لمنصب معين، وهنا نميز بين الاستقطاب وهو محمود ومطلوب من الأحزاب، وبين دور الممون “تريتور” الذي تقوم به هذه الأحزاب لصالح بعض الجهات.

أما بخصوص طريقة إختيار الأطر داخل الأحزاب للمناصب الحكومية والعمومية، فكما قلت المحسوبية والقرابة والولاء للزعيم هي المهيمنة في اختيار المسوؤلين للمناصب، وهذا لا يعني أن هناك اسثتناءات في المشهد الحزبي، إذ نجد كفاءات مهمة وصلت لمناصب تستحقها بفضل مجهودها، ولكنها تبقى أقلية.

كما أن هناك قاعدة أخرى في النظام السياسي المغربي، أن الدولة تختار أي مسؤول “مرضي” عليه، وتلجأ لبعض الجهات سواء حزبية أو جمعوية أو مؤسساتية من أجل اقتراحه.

*باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري

 

 

التعليقات على بعد دعوة الملك لتجديد النخب.. “الأول” يسأل قياديين سياسيين.. هل تتوفر الأحزاب على الكفاءات المطلوبة وكيف يتم اختيارها للمسؤوليات العمومية؟.. وهكذا أجابوا مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

النيابة العامة تأمر بتعميق البحث مع عبد الله بوصوف وسعيد الفكاك والتهم خطيرة 

كشف مصدر مطلع لموقع “الأول”، أن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيض…