شكل مدى قانونية تحريك الدعوى العمومية وإعادة فتح التحقيق من طرف قاضي التحقيق، وإحالة عبد العالي حامي الدين القيادي بحزب العدالة والتنمية، على المحاكمة من جديد، النقطة الجوهرية والأساسية، التي يتصارع حولها أطراف المحاكمة، وقد طغت مناقشتها على جلسة يوم أمس الثلاثاء من محاكمة حامي الدين.

هما وجهتي نظر قانونية، الأولى ترى أن قرار إعادة فتح التحقيق، وإحالة حامي الدين على المحاكمة في قضية مقتل الطالب اليساري محمد أيت الجيد الملقب ببنعيسى، بعد مرور 26 سنة من المحاكمة الأولى التي برأته من القتل العمد، وأدانته لمجرد جنحة المشاجرة والضرب والجرح المفضي إلى حالة وفاة، هو أمر فيه مس بالقانون وحقوق الإنسان فلا يمكن إعادة محاكمة الشخص مرتين على نفس الوقائع، خصوصاً وأن هناك قرار قضائي نهائي في الموضوع، او ما يعرف بسبقيىة البت، وهذا الرأي القانوني هو صلب دفوعات دفاع حامي الدين لإسقاط الدعوى ضده.

لكن الرأي الثاني المخالف وهو الذي عبر عنه ممثل النيابة العامة أمس الثلاثاء، خلال جلسة المحاكمة هو أن حامي الدين لا يحاكم بنفس الوقائع والأفعال التي حوكم من أجلها قبل 26 سنة أي سنة 1993،بالضبط، لكن التحقيق تم فتحه في الملف بعد ان توفرت تصريحات جديدة لم يسبق أن تم الإدلاء بها من قبل، وبالتالي فإن جميع الإجراءات هي قانونية.

وحتى دفاع حامي الدين اعترف في إحدى مذكراته التي يتوفر “الأول” على نسخة منها، بأن القانون يسمح استثناءً بإعادة فتح التحقيق في مثل هذه القضايا لكن عندما تتوفر دلائل جديدة، وجاء في المذكرة المقدمة من طرف المحامي محمد الشهبي، عضو دفاع حامي الدين ” ذلك أن إعادة التحقيق بعد أن يكون قاضي التحقيق قد أصدر أمرا بالمتابعة وأحيل على المحكمة وبت فيه قرار قضائي نهائي، وأصدر أمرا بعدم المتابعة، لا سند له في قانون المسطرة الجنائية ولا تتضمن أي نص يسمح بإعادة التحقيق ما عدا الحالة الوحيدة وهي الحالة الواردة في الباب الخامس عشر من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وعنوانه: إعادة التحقيق بسبب ظهور أدلة جديدة” المواد 228 ومايليها”.

وبالعودة إلى محاضر التحقيق التفصيلي مع حامي الدين من طرف قاضي التحقيق، تظهر لنا جلياً الدلائل الجديدة والأفعال والوقائع الجديدة التي تحدث عنها ممثل النيابة العامة دون أن يخوض في التفاصيل، أمس الثلاثاء، بينما كان يرد على طلبات الدفاع الأولية، وهي التصريحات الجديدة ولأول مرة يذكرها الشاهد الوحيد في القضية الخمار الحديوي، وهي ما تم الإعتماد عليها لتجديد المتابعة.

و كشفت محاضر التحقيق التفصيلي التي أجراها قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف في فاس، عن تفاصيل ما أدلى به الخمار الحديوي،في مواجهة حامي الدين، حيث حكى حسب روايته في هذه المحاضر أنه خلال أحد أيام شهر رمضان، في فبراير 1993،” كان برفقة أيت الجيد ساعة تعرضهم للهجوم من قبل حوالي 25 طالبا ينتمون إلى فصيلي العدل والإحسان، والإصلاح والتجديد الإسلاميين، (كشف) أن حامي الدين كان من بين الطلبة الإسلاميين الذين اعتدوا عليه وعلى أيت الجيد واصفينهما ب”الكفار”، وهم يرددون” هاهما حصلو الكفار.. الله أكبر”، حيث إنقسموا إلى فريقين الأول يقوم بضرب الشاهد نفسه، والفريق الثاني انهال بالضرب على أيت الجيد”.

وأضاف الشاهد أنه “بمعية أيت الجيد خرجا من اجتماع للجنة الحوار مع عميد كلية العلوم بفاس، اسمه “الصاغي” وتوجها إلى محطة الطاكسيات، حيث استقلا سيارة أجرة، سائقها يدعى “أحمد مهيب”، باتجاه حي “ليراك”، وعند وصول سيارة الأجرة، التي كان يجلس فيها أيت الجيد بجانب السائق والشاهد خلفهما، إلى معمل “كوكاكولا” بالحي الصناعي سيدي ابراهيم، اعترض طريقها مجموعة من الطلبة حيث أرغموا السائق على التوقف بالقوة، وكانوا يحملون سلاسل حديدية وعصي وأسلحة بيضاء، وعمدوا إلى إخراج الطالبين اليساريين (الشاهد وأيت الجيد)، المنتميان لفصيل الطلبة القاعديين الديمقراطيين، من السيارة لينهالوا عليهما بالضرب”.

وتابع الخمار روايته، أن الفريق الذي تكلف بضربه تسبب له في جروح خطيرة، فيما كان أيت الجيد يتلقى الضربات المتوالية أمام أنظاره، وهو يقول “مشيت اخويا الخمار”، وبعد أن “أشبعوه ضربا بينما كان ملقاً على الأرض وضع حامي الدين رجله على عنق أيت الجيد ليقوم كل من عمر محب وعبد الواحد الكريول، والكادي توفيق بإسقاط صخرة كبيرة “طروطوار” طولها 80 سنتمتر على رأسه، ليفارق الحياة في المستشفى يوم فاتح مارس 1993″.

ومن بين ما حكاه الشاهد الخمار كذلك، أن “المعتدين ومن بينهم حامي الدين خيروهما مابين الموت رجما بالحجارة، أو بالذبح، كما أنه بعد الإعتداء عليهما، بينما كانا طريحين على الأرض عاد عمر محب وحامي الدين، وطلبا منه تأدية الشهادة..”.

وبالتالي تشكل هذه الشهادة محور إعادة فتح التحقيق والإحالة على المحاكمة، لكونها تتضمن معطيات جديدة تورط حامي الدين في القضية وتجعله متهماً بتهمة ثقيلة جداً ” المساهمة بالقتل العمد”، خصوصاً في قول الشاهد ” حامي الدين وضع رجله على عنق أيت الجيد.. وأسقطوا صخرة على رأسه”، هذه العبارة كانت كافية حسب رأي النيابة العامة ودفاع الطرف المدني لإعادة فتح الملف وتوجيه أصابع الاتهام للقيادي في الحزب الإسلامي.

وبالرغم من أن دفاع حامي الدين يحاول ما أمكن أن يقلل من هذه التصريحات، إلا أنه وكل ما سمحت له الفرصة يوجه سهام “التجريح” و الانتقاد للخمار الحديوي، بل ويصف تصريحاته بـ”غير ذات المصداقية” و”غير المتطابقة” كما جاء في مذكرة المحامي الشهبي كذلك، “المتابعة غير قانونية لأنها بنيت على تصريح شاهد واحد لا حجية له، ذلك أن تصريح الشاهد الحديوي الخمار المدلى به بين يدي قاضي التحقيق في 19 أبريل 2018، أي بعد مضي 24 سنة ليست له أية حجية لأنه يناقض مجموعة من تصريحاته السابقة، ذلك لأن هذا الشاهد الوحيد الذي بني عليه الأمر بالإحالة سبق له أن أدلى قبل ذلك بـ 14 تصريح منها ثلاث تصريحات أمام الضابطة القضائية و11 أمام القضاء غير متطابقة”.

أمام هذا النقاش القانوني والمرتبط أساساً بالوقائع والأفعال التي ذكرها تصريح الشاهد الخمار، والذي من شأن “صحة” التصريحات المذكورة أن تحسم في قانونية المتابعة من عدمها، فالعديد من المتتبعين يرون أن المحكمة غالباً ما ستؤجل البت في طلبات الدفاع الأولية والشكلية حتى مناقشة الجوهر والموضوع، لتتمكن من مناقشة هذه التصريحات والإستماع للشاهد الحديوي وتمحيص كلامه ومواجهته مع حامي الدين.

التعليقات على “حامي الدين وضع رجله على عنق أيت الجيد”.. هذه العبارة التي قالها الشاهد الخمار هي التي كسرت مبدأ “سبقية البت” في المحاكمة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

سابقة تاريخية.. إسم حزب الاستقلال مكتوب بحرف “التيفيناغ” والبركة للمؤتمرين: “نعتز باللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية”

قال نزار البركة الأمين العام لحزب الاستقلال خلال كلمته الافتتاحية، اليوم الجمعة، بمناسبة ا…