وردي حكيم باحت في القانون
لم تكن عقوبة الإعدام يوما مرادفا للانتقام، طالما شرعنها القانون وأنزلها القرآن، فلماذا يعطل تنفيذها على الهمج والتتار والبرابرة؟
سؤال قدفه في وجهي صديقي بعدما أذهلتنا البشاعة، وخنقتنا الفظاعة، وتحشرجت قلوبنا عند الحناجر وهي تسمع أصوات الروح البريئة، وسكرات الموت الرهيبة…الروح المغتصبة من الجسد المستباح لشابة مؤمنة بالحياة والحلم والجمال على يد سكين سفاح، كافر، غادر، جبان.
نفتت دخان سيجارتي وتأملت في الفراغ خيبتي وتبدى لي في لحظة أن صرخة الخوف و الموت والوجع، التي سيظل صداها اليائس مترددا في دواخل كل من شاهد وسمع، أعنف من أن يخرسها الجواب عن السؤال، وأن هول اللحظة على الضحية وهي تحت مقصلة الجزار، وهول الخبر مدرجا بالدماء والبكاء في الدقيقة المنشورة بالصوت والصورة و نيران الفجيعة المشتعلة في قلوب ذويها ( أمها ووالدها وأخيها الصغير وكلبها اليتيم ….) أكبر من يخمدها جواب عن سؤال قديم في جدل عقيم.
لذلك لم ينتظر صديقي الجواب، فقد التهمه الصمت و اغرورقت عيناه بدموع الغياب، وهو في الحقيقة يائس من الجواب، فهو يعرف متلما يعرف الجميع أن إلغاء عقوبة الإعدام إحدى توصيات هيأة الانصاف والمصالحة، سبق أن بشر بها الراحل إدريس بنزكري المؤتمر العالمي الثالث لمناهضة عقوبة الإعدام بباريس في أبريل 2007، وأن المغرب وهو يفي بالتزاماته الحقوقية دوليا صادق على البرتكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام، وأن حركة حقوقية نشيطة ذات مصداقية وطنيا ودوليا انتهت إلى أن الإعدام عقوبة غير إنسانية لا تنسجم والحق الكوني في الحياة الملازم لكل إنسان، ولم يثبت أن تنفيذها حد من بشاعة جرم، كما أن العدالة قد تخطيء ولا يمكن أن تتحول إلى آلية انتقام،… لا جواب على من يرى في القصاص حياة، ولا في الإعدام اجتثاث فعال لا بديل عنه لأخطر المجرمين والعتاة، ولا حتى في صدورها عن تمحيص للأدلة وإجماع على الإدانة وتحقيقا للردع العام من عدم تكرار جرائم بشعة لا سبيل لإعادة إدماج مقترفها في مجتمع ينادي بالقصاص…
والواقع أن المسألة غير محسومة مجتمعيا وطنيا ودوليا ( دراسة للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2016 حول الإعدام أظهرت انقساما في الرأي ب50 في المائة بين مؤيد ومعارض ) ، لذلك لا زال النقاش في شأنها حيويا، ولا زالت المحاكم في جرائم القتل البالغة الخطورة تحكم بالإعدام ويتراخى التنفيذ، ومشروع القانون الجنائي وإن لم يلغ الإعدام فقد خفض عدد الجرائم التي قد تؤدي إلى الحكم بها عند تبوث خطورتها بجزم ويقين مانعين للشك والتخمين وبإجماع عاصم من الوقوع في الخطأ عند تفريد العقاب…
أكيد أن العدالة أسمى من الانتقام…لذلك تضمن دولة القانون حتى لعتاة القتلة والإرهابيين الاستفادة على قدم المساواة مع باقي المجرمين من حقهم في الصمت والمساعدة القانونية والحق في المؤازرة بمحامي، وفي العرض على قاضي للتحقيق والاطلاع على ملف القضية، والاستجواب بحضور الدفاع، والمجادلة في الأدلة، وتعيين محامي في إطار المساعدة القضائية عند العجز عن تنصيبه، ثم الحق في الاستئناف والنقض…وطيلة هذا المسار الإجرائي ستكون إقامة المعتقل في السجن مسيجة بحقوق : التغذية المناسبة والفسحة اليومية والزيارة العائلية والاستشفاء، والتواصل الخارجي عبر الهاتف، و الاطلاع على الكتب والجرائد والمجلات ومشاهدة التلفاز، وممارسة الرياضة….أما الضحية فليس لها سوى الانكفاء على جراحها و المطالبة بالتعويض أمام القضاء،
في الرواية/المرافعة الشهيرة لفيكتور هيكو حول آخر يوم لمحكوم بالإعدام Le Dernier Jour d’un condamné وصف بارع لمعنى الانتظارية القاتلة أو الموت بالتقسيط …الموت يوميا في انتظار الإعدام…حيث ربما يكون الانتظار اليائس نوعا من الاحتضار…
رحم الله الشابتين: الدنماركية لويزا فيسترغر يسبرسن و النرويجية مارين أولاند، وأسكنهما فسيح الجنان ولعائلتهما الصبر والسلوان، أما قتلتهما فمأواهم نار جهنم خالدين في سعيرها وبئس المصير…