كشف حكيم بن شماش أن جيلا جديدا من التحديات تواجهها الديمقراطيات التمثيلية بمختلف أشكالها منذ عقدين من الزمن على الأقل، يتعلق بكيفية جعل الديمقراطيات أكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات وأكثر ابتكارا واستجابة للقضايا الناشئة ومن بين هذه القضايا (الهجرة، تغير المناخ، الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التنمية المستدامة، تقليص التفاوتات المجالية، تدبير التنوع اللغوي والثقافي، حماية قيم المجتمع الديمقراطي من الشعبويات، والتطرف العنيف، وخطاب الكراهية و العنصرية)، معتبرا إياها تحديات مشتركة بين الأنظمة الديمقراطية باختلاف مجالاتها الجغرافية والثقافية ودرجات تطورها.
وشدد بن شماش رئيس مجلس المستشارين، في كلمته الافتتاحية خلال اليوم الدراسي حول “الديمقراطية وأسئلة الوساطة بالمغرب” المنظم من طرف المجلس، على ضرورة الإقرار بالطابع المعقد والمتشابك والشائك لموضوع هذا اللقاء الذي ينظم احتفاء باليوم العالمي للديموقراطية لهذه السنة، معبرا عن أمله في ان تكون خلاصات وتوصيات هذا اليوم الدراسي، مقدمة لحوار وطني عمومي تعددي حول موضوع الوساطة. مؤكدا في هذا الإطار، على الحاجة الموضوعية الملحة، لبناء نظام وطني موحد ومتكامل وناجع ومتعاضد الأطراف بشأن الوساطة في بعدها المؤسساتي والسياسي والاجتماعي والمدني والاقتصادي والثقافي وحتى الهويـــاتي.
وتساءل بن شماش عن طبيعة العوائق التي حالت دون الاستثمار الأمثل للإمكانيات الاستراتيجية التي أقرها دستور 2011، في مجال تقوية آليات الوساطة المرتبطة بالديمقراطية التمثيلية وفي مجال إرساء إطار مؤسساتي متكامل لآليات الديمقراطية التشاركية، حيث ذكر في هذا الباب ببعض الإمكانيات ذات العلاقة بأزمة النسيج الوطني للوساطة كالأدوار الدستورية للأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، وآليات الديمقراطية التشاركية إن على المستوى الوطني أو على مستوى الجماعات الترابية.
وأبرز رئيس مجلس المستشارين، في معرض كلمته الافتتاحية، أن وضعية مؤسسات الوساطة الاجتماعية تغيرت مع دستور 2011، لترتقي إلى مستوى الوساطة المؤسساتية المؤطرة بمقتضى الوثيقة الدستورية والقوانين المحدثة لها، لاسيما وأن الدستور في بابه الثاني عشر حول “الحكامة الجيدة” حدد المؤسسات التي يمكن أن تنهض بها، فباستثناء هيئات الحكامة الجيدة والتقنين (الهاكا، مجلس المنافسة، هيئة الوقاية من الرشوة)، تتقاطع صلاحيات الهيئات الأخرى، كل واحدة في مجالها، مع مهمات الوساطة الاجتماعية.
وأضاف بن شماش ان مقتضيات الدستور حددت لهيئات الحكامة مهمات مجتمعية واضحة، مواكبة للتطورات التي يشهدها المجتمع المغربي، ومستجيبة لمتطلباته وتحدياته.
وتساءل بن شماش في مداخلته، عن كيفية التحويل الإيجابي لديناميات الاحتجاج المشروعة، المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والطلب القوي للعدالة الاجتماعية والمجالية، إلى ديناميات تشاركية فعالة، وأن تجد هذه المطالب المكانة التي تستحق في أجندة السياسات العمومية القطاعية والأفقية والترابية.
كما تساءل أيضا، عن كيف يمكن أن يجد فاعلو وفاعلات الديناميات الاحتجاجية، بوصفهم زعماء مدنيين للرأي، الموقع المؤسساتي الملائم الذي يمكنهم من استمرار لعب دور التأثير والتأطير الإيجابيين لديناميات السياسات العمومية، سواء على مستوى الهيئات الدستورية للنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، أو على مستوى آليات الوساطة التمثيلية (الأحزاب و النقابات) والمدنية (الجمعيات) و الهيئات الاستشارية الترابية (هيئات الحوار والتشاور المحدثة لدى الجماعات الترابية).
وكذلك كيف يمكن استثمار كل فرص المشاركة المواطنة المتاحة دستوريا من أجل تحويل الديناميات الاحتجاجية إلى رافعة لسياسات عمومية مبنية على العدالة الاجتماعية دامجة لمختلف مكونات المجتمع سيما الهشة منه، وموجهة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، في إطار نموذج تنموي جديد قيد البناء.
وقد توج هذا اللقاء بخلاصات وتوصيات ستساهم، في إثراء الحوار العمومي والنقاش المجتمعي حول هذا الموضوع، بل وستعيد الثقة في مؤسسات الديمقراطية التمثيلية والتشاركية؛ وعدم اعتبار أزمة النسيج الوطني للوساطة السياسية والاجتماعية والمدنية قدرا محتوما، بقدر ما يمكن اعتبارها عنوانا على أزمة نمو الديمقراطية المغربية، او عنوانا لمخاض توطيد الديمقراطية سيما وأن الإطار الدستوري لبلادنا لازال يتيح فرصا كبرى لتجاوزها عبر ابتكار حلول مؤسساتية دامجة.
وأيضا عدم اعتبار الديناميات الاحتجاجيـة، أزمة في ذاتها، وذلك لعدم استنفاذ إمكانيات الإجابات المؤسساتية (التمثيلية والتشاركية) عليها، مع العلم أن هذه الديناميات تعد فرصة تاريخية لتجديد النسيج الوطني والترابي للوساطة ببلادنا عبر إدماج فاعلين جدد، وقضايا جديدة، وابتكار حلول مؤسساتية جديدة في إطار دستوري لم تستنفذ إمكانياته بعد في هذا المجال.
يذكر أن هذا اليوم الدراسي الذي نظم بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبدعم من مؤسسة ويستمنستر للديمقراطية، تميز بحضور وازن ومكثف، وعرف حضور وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، والأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان محمد الصبار، وخبيرة دولية مهتمة بمجال الديمقراطية Sylvia Bergh، والأستاذ الجامعي علي أومليل، وممثلي الأحزاب السياسية، وعدد من هئيات النسيج الجمعوي والنقابي.