كلام قاس لابد منه..!

الحبيب الشوباني

منذ أن اضطربت سفينة الصف تحت ضغط رياح وعواصف هوجاء لا قبل للربابنة بها.. ولا سابق خبرة لهم بمعالجة شدتها وقوتها المباغتة..وأنا أتابع “حالة الهرج والمرج التي طغت على القسم الأكبر من ركاب السفينة وكثير من أعضاء طاقمها في القيادة” .

بعض خلاصات التأمل في هذه المرحلة من مراحل الإبحار الطويل “نحو بر الأمان” تكاد تتشكل في وعيي كجملة من الحقائق ذات الجوهر الخالص، وذلك لشدة ظهور معانيها في سلوك ومواقف من يعنيهم الأمر !

وفي ما يلي بيان بعض هذه الخلاصات، مساهمة في بناء وعي يتجاوز الهلع نحو الاطمئنان..والاضطراب نحو الثبات..والجدل نحو العمل..والتفكك نحو التماسك.. “والعاجل نحو الآجل”..!

“الخلاصة الأولى : عن أي بر أمان نتحدث ؟”

“تحديد الغاية في بدء كل رحلة لا يكفي للحفاظ على وجهتها.. وليس ضمانا للوصول المؤكد إليها” !

يفتخر أبناء الحركة الإسلامية عموما بجعل الآخرة غاية لهم ( الله غايتنا)..ولا يتاونون في التأكيد على أنها مصدر طاقة السمو الأخلاقي الذي يشد عضدهم لمقاومة جاذبيات الطين والتحليق في سماء الدين..!

كل ذلك جميل .. لكنه لا يعدو أن يكون ادعاء تفركه المحن..وتختبره الابتلاءات..فلا يصح منه إلا ما رسخ اعتقادا وسلوكا..وكان به المرء رحمة على دينه وعونا لصفه وجماعته ووطنه..!

أما الباقي مما ليس فيه من هذه المعاني لا نقير ولا قطمير..فزبد يُعمي عن رؤية الوجهة..وضلال يضِل به السير عن القبلة..وخسارة للعمر بخسارة جوهر الدين والملة..!

قسوة القول، “فيما ألمحت فيه لنفسي قبل غيري” ، تعني جهرا لا سرا ما يلي :

إن كثيرا من ركاب السفينة المضطربة لم تنكشف معادنهم عن سكينة نفس.. ولا عن رباطة جأش.. ولا كان منهم معنى من معاني ( إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله ذكرا كثيرا ).. بل كان منهم إرجاف من ( يحسبون كل صيحة عليهم).. منهم من يقضي سحابة يومه في التكسب لدنياه والتخطيط لمستقبل ذريته ومن والاه..أو غافلا عن التزود بما ينفعه في أخراه ..مقتاتا على ما تنشره عصابات ( اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم ) فإذا جن عليه الليل جرد أصابعه وجهازه، ليس ليذكر الله أو يُذكر غيره به أو ويتذكر القبلة التي يشد إليها الرحال ادعاء منذ عقود، بل لينخرط في جوقة ( سلقوكم بألسنة حِداد.. أشحة على الخير).. هدفه الذي يرمي نحوه سهام الغيلة.. رُفقة الطريق والمصير.. ورفاق الدرب والمسير ..هؤلاء الجنود المنتشرون في الأرض..يخوضون في كل لحظة معارك بدرية (من بدر) في جبالها وسهولها وصحاريها وأزقة مدنها وحواضرها ومجالس مداولات صناعة القرار فيها.. ينافحون عن كرامة المستضعفين وحصون الوطن.. يجاهدون لانتزاع كثير مما اغتصبه ملأ القوم الذين استكبروا من قرون.. ورده عدلا واجتهادا على من يجب له!

يفعلون ذلك وكأنهم في حرب شوارع لا يقيلون ولا يستقيلون.. فإذا جن عليهم الليل..أو انتهزوا فرصة استراحة يلتقطون الأنفاس قبل جولة جديدة.. ومعركة جديدة.. ومحنة جديدة.. تحسسوا مواطن نزف الدم في أجسادهم.. وفحصوا نوع السهام المتكسرة في أرواحهم.. فإذا هي سهام صديقة في ظهر الروح.. وسهام عدوة في صدر الجسد..!

ومع ذلك.. يلملمون جراحهم بصدور سليمة.. ويرمون بأنفسهم في معركة جديدة.. ويواجهون أقدارا جديدة.. مشفقين على بني مركبهم الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.. ويخرقون سفينتهم برماحهم..!

قبل أيام كتبت إحدى راكبات السفينة ما مفاده أن “إرضاء الله مسلم به في ما ندندن حوله”.. فكتبت مذهولا من شدة اليقين في ما قال عنه عمر الفاروق ( لو أذن مؤذن يوم القيامة في المحشر وقال : كل الناس يدخلون الجنة إلا واحد..لخشيت ان اكون انا هو..!) :

“إرضاء الله غير مسلم به..!”

هذا أخطر أبواب الغفلة البشرية.. ولو كان إرضاء الله مسلما به لما حصل ما حصل من اضطراب في الصف..اضطراب يدل على فساد كثير من منطلقات التفكير والتصرف.. لأن الغاية التي هي إرضاء الله لم تكن لا واضحة ولا مطلوبة لذاتها..!

فلنحذر من استسهال أمور كبيرة يوهمنا كثرة الحديث عنها أنها متمثلة في الاعتقاد وراسخة في السلوك..!

“رضي الله عن الفاروق” ..ما أجله من عالم بالغاية.. حريص على الصف والبنيان.. خبير بمنعرجات المسير.. مشفق على المآل والمصير..!

التعليقات على الشوباني يطلق النار على إخوانه: كثير من ركاب السفينة المضطربة لم تنكشف معادنهم عن سكينة نفس مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين

شهدت مدرجات ملعب فرنسا الدولي مناوشات قوية بين الجماهير الفرنسية ومشجعين إسرائيليين خلال م…