في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه جهة وادي الذهب الداخلة، برز ملف عقاري معقد يتعلق باستغلال أراضي الدولة بشكل غير قانوني، حيث يتضمن تفويت أكثر من 8 هكتارات من الأراضي الحكومية بثمن رمزي لصالح إحدى الشركات التي يملكها سياسيون ومنتخبون.
ويرى عدد من متتبعي الشأن المحلي بالجهة الجنوبية للمملكة، أن هذا الملف أصبح الآن تحت مجهر الوالي الحالي الذي يواجه امتحانًا صعبًا في محاربة الفساد والريع.
وبدأت القصة في عام 2011، عندما استفادت شركة معينة من أراضي الدولة بثمن زهيد لبناء مشروع سياحي ضخم يتضمن فندقًا من أربعة نجوم و92 فيلا وكورنيشًا صغيرًا، ومع ذلك، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لم يتم إنجاز المشروع كما كان متوقعًا، بل تم تعديل القرارات لصالح شركة أخرى تتكون من نفس الأشخاص، بما في ذلك سياسيون ومنتخبون، لتنفيذ مشروع استثماري أكبر يتضمن فندقًا من خمسة نجوم وفيلات فاخرة و”ميني مارينا”.
ورغم الحصول على رخصة البناء وتسويق المشروع بشكل واسع، أصدر القضاء الإداري حكمًا بإيقاف رخصة البناء والأشغال حتى يتم البت في الدعوى بشكل نهائي، حيث قضت المحكمة الإدارية بأكادير بإلغاء القرار التعديلي للوالي السابق.
وجاء هذا القرار على خلفية قضية رفعها أحد المواطنين الذي تسلم قطعة أرضية في إطار سياسة الدولة المغربية الرامية إلى إعمار المناطق الجنوبية وتشجيع الاستثمار بها، سنة 1992 تبلغ مساحتها 470 متر مربع، قرب نقطة مراقبة الشرطة والتي تدخل ضمن الرسم العقاري الأم، بالمحافظة العقارية بالداخلة.
وحاز المعني بالأمر هذه البقعة الأرضية ويستغلها من خلال تشييد منزل بها إلى أن فوجئ بالمديرية الجهوية للتجهيز لوادي الذهب الكويرة تقوم بإجراء معاينة على هذا العقار وتقدمت ضده بدعوى ترمي إلى إفراغه وطرده من هذا العقار أمام المحكمة الابتدائية بوادي الذهب التي أصدرت حكمها بتاريخ 28-4-2023، يقضي بإفراغه تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 50 درهما عن كل يوم تأخير، وبرفض باقي الطلبات وتحميل المدعى عليه الصائر، فيما قضت محكمة الاستئناف بالعيون بإلغاء الحكم الابتدائي، وهو القرار الحائز لقوة الشيء المقضي به لعدم الطعن فيه بالنقض.
وظل المالك، بعد قرار المحكمة النهائي، يستغل القطعة الأرضية ويتصل بإدارة أملاك الدولة قصد إتمام إجراءات التفويت إلى أن فوجئ بأن البقعة الأرضية المسلمة له استخرج لها رسم عقاري في إسم الملك الخاص للدولة وبادر إلى إجراء تقييد احتياطي عليه، وقد عمد والي جهة الداخلة وادي الذهب إلى إصدار رخصة بناء على هذا العقار بتاريخ 01-09-2023 لفائدة شركة “A.S”.
وأشارت المحكمة إلى أن القرار يعيب فيه مخالفته للقانون وللتجاوز في استعمال السلطة، ذلك أن والي الجهة سمح للغير بالبناء على عقاره المتواجد به بشكل قانوني ولم يتم فسخ استغلاله لهذا العقار كما لم يتم إفراغه وهدم البناية التي شيدت على هذا العقار وهو ما يشكل اعتداء ماديا على حقوقه.
كما أبرزت المحكمة في قرارها، أن من جانب ثاني، أن المستفيد من القرار المطعون فيه منحت له هذه الرخصة المضمنة بالقرار الطعين دون أن يدلي بأصل ملكيته لهذا العقار وكذا بالتصاميم الخاصة بالبناء وبالمشروع المزعوم خاصة أن الأمر يتعلق بعقار في ملكية الدولة الخاص الذي سبق تفويته لشركة أخرى تدعى “D.B.S” بتاريخ 4 يوليوز 2011 والذي تم تقييده بشروط منع التفويت ومنع الرهن ومنع الكراء بناء على الشروط والالتزامات المنصوص عليها في دفتر الكلف والشروط الخاصة الملحقة بعقد البيع، وبالتالي فإن هذا العقار خصص لهذه الشركة بثمن رمزي 35 درهم للمتر المربع بشرط تنفيذ مشروع استثماري بتصاميم محددة في أجل 36 شهرا تحت طائلة فسخ العقد واسترجاع العقار للدولة.
وأكدت المحكمة على أن كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، ويحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة.
كما أبرزت المحكمة في قرارها الذي اطلع عليه “الأول”، أن الوالي السابق سمح بالإذن للغير بالبناء على عقار دون فسخ عقد البيع الأول ودون استرجاع العقار ودون ثبوت أن هذه الشركة نفذت شروط دفتر الكلف والشروط العامة، أو حصولها على الإبراء النهائي حتى يحق لها التنازل وتفويت العقار للشركة التي أذن لها المدعى عليه بالبناء وبتاريخ 1-9-2023 وبنفس الثمن والشروط وبعد تعديل تصاميم المشروع رغم مرور أزيد من 12 سنة على البيع الأول.
وأشارت المحكمة إلى البين من قرار والي جهة الداخلة وادي الذهب المؤرخ في 10-01-2023، أنه أذن لهذه الشركة بنقل ملكية القطعة الأرضية التابعة للرسم العقاري عدد 62/3737 لفائدة الشركة الثانية، والحال أن مقتضيات المادة 82 من المرسوم الملكي بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، تخص والي الجهة المختص بالإذن في بيع عقار تابع للدولة، لا أن يأذن لجهة أخرى كما في نازلة الحال بنقل ملكية القطعة الأرضية من شركة إلى أخرى، موضحة أن الفهم الصحيح، يقتضي أن يتم فسخ عقد البيع الأول قبل مباشرة الإذن بالبيع للشركة الثانية.
وفي وثيقة أخرى مؤرخة بتاريخ 27-01-2025، فقد أشار رئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة المذكورة، إلى أنه لم يتم تقديم أي طعن بالاستئناف من طرف والي جهة الداخلة وادي الذهب ضد الحكم.
ويرى متتبعو الشأن المحلي بالأقاليم الجنوبية للمملكة أن الوالي الحالي، علي خليل، أمام تحدٍ كبير، مرتبط باحترام الشرعية القانونية والقضائية وإعادة العقار إلى ملكية الدولة، ومحاربة لوبي العقار، فهل سيتمكن الوالي من تنفيذ الحكم القضائي وإعادة العقار إلى الدولة؟ وهل ستتحرك ممثلة الملك الخاص للدولة لتصحيح الأوضاع؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد مصير هذا الملف ومدى احترام الشرعية القانونية في جهة وادي الذهب الداخلة.