في خطوة وصفت بـ”التاريخية”، أقدمت وزارة الشغل والإدماج المهني في قرار مشترك مع وزارة الاقتصاد والمالية، اليوم الأربعاء، على عزل عبد المولى عبد المومني من رئاسة التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، التي عمَّر فيها على مدى سنوات طوال، مقررة إسناد السلطات المخولة للمجلس الإداري للتعاضدية المذكورة إلى أربعة متصرفين مؤقتين، وذلك في أفق إجراء انتخابات جديدة في ظرف ثلاثة أشهر.

تقارير سوداء

وفق مصادر مُطلعة تحدث إليها موقع “الأول”، فإن هذا القرار يستند بالأساس على تقارير سوداء منذ سنة 2013، كانت موضوع عدة مراسلات وجهها في الآونة الأخيرة محمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، إلى عبد المولى عبد المومني، فضح فيها اختلالات وتجاوزات بالجملة في التسيير الإداري والمالي للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، اختلالات اعتُبرت “على قدر كبير من الخطورة”.

ورصد يتيم في إحدى مراسلاته  التي يتوفر “الأول” على نسخة منها، والموجهة إلى عبد المومني، تمرير الصفقات بشكل مباشر، دون الإعلان عن طلب العروض وفي غياب تام لسلطات الوصاية أو الحصول على إذنها، لشركة أجنبية لتقديم خدمات بـ12 مليار سنتيم للمنخرطين، وهي خدمات يستفيد منها سلفا منخرطو التعاضدية.

موازاة مع ذلك، سجل يتيم التكاليف الباهضة للجموع العامة التي تعقدها التعاضدية، علاوة على إماطته اللثام عن تسريب التعاضدية لمعطيات 429 ألف منخرط من موظفي الدولة ومتقاعديها وأزيد من مليون من ذوي الحقوق لمجموعة استثمارية أجنبية، إذ تمت العملية بدون الحصول على تصريح أو استشارة أو طلب إذن اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.

الأكثر من ذلك،  كشفت معطيات مماثلة أن تهيئة مرافق التعاضدية العامة جرى دون الحصول على التراخيص القانونية من السلطات المختصة، كما تم تفويت صفقة غير قانونية إلى وسيط تأمين في إطار اتفاقية لمدة أربع سنوات ستكبد مالية التعاضدية أضرارا كبيرة، إذ ستكلفها 120 مليون درهم. غير أن المثير أكثر في هذا الملف هو أن الخدمات المضمنة في عقد التأمين الذي أطلق عليه ACHAMIL ASSISTANCE AUX ADHÉRENTS DE LA MGPAP،  يستفيد منها أصلا المنخرطون البالغ عددهم 429.000.

وسجلت السلطات التنفيذية أيضا اختلالات خطيرة في التسيير الإداري والمالي للتعاضدية التي سبق أن تم تسجيلها بسبب عدم احترام هذه الأخيرة للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعاون المتبادل والصفقات، وكذا الاختلالات التي رصدتها أيضا تقارير المفتشية العامة للمالية سنة 2013، ولجنة المراقبة للتعاضدية برسم السنتين الماليتين 2016 و2017، فضلا عن العجز المالي الخطير المسجل في جل حسابات التعاضدية وفق ما هو وارد في التقرير المالي لسنة 2017، ومن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، ومن مجموعة من المسؤولين المنتخبين والإداريين بالتعاضدية العامة، إلى جانب اختلالات أخرى مرتبطة بصرف تعويضات ومصاريف مُبالغ فيها أو غير مستحقة لفائدة أعضاء المجلس الإداري.

يتيم ينهي مساره الحكومي بقرار متأخر.. لكن تاريخي

بالرغم من أن كل هذه الاختلالات المرصودة من قبل الجهاز التنفيذي للدولة تكتسي طابعا جنائيا، كانت تستدعي إحالة الملفات على القضاء وتطبيق الفصل 26 من الظهير رقم 1.57.187 الصادر في نونبر سنة 1963، حيث تنص المادة 26 منه على أنه “في حالة وجود اختلالات تعيق السير العادي للتعاضدية تتدخل السلطات الوصية على قطاع التعاضد وهي الشغل والمالية من أجل حل الأجهزة المسيرة للتعاضدية مع تعيين متصرفين مؤقتين وتنظيم انتخابات جديدة لمناديب المنخرطين”، إلا أن ذلك لم يحصل منذ عهد وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد.

ويبدو أن محمد يتيم، أراد، ولو متأخرا، البصم على نهاية “مشرفة” لولايته على رأس وزارة الشغل، فوجَّه مراسلة مؤخرا إلى وزير الاقتصاد والمالية؛ ذكَّره فيها بمضمون الرسالة التي بعثها إليه بتاريخ 04 يناير من العام الجاري، حول تنفيذ قرار تطبيق الفصل 26 من الظهير سالف الذكر.

أبرز مناهضي الفساد في التعاضدية: “نهاية عهد أنا ربكم الأعلى” 

“هذا القرار وإن كان يعتبر متأخرا كثيرا، فإنه مع ذلك، تاريخي وإيجابي وقطع عهد {أنا ربكم الأعلى}”، يقول بوشعيب دو الكيفل، أحد أبرز مناهضي الفساد في التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، بوصفه عضو لجنة التنسيق الوطنية لمندوبي ومتصرفي التعاضدية.

وأكد دو الكيفل في تصريح لموقع “الأول”، أن عبد المولى عبد المومني منذ توليه مسؤولية التعاضدية، “وهو يستبيح مواردها ومدخراتها، ويعمل على نهب مقدراتها واستغلالها من خلال اعتماد أساليب الإضعاف الممنهج والإخضاع وتوزيع الفتات على بعض أتباعه من الجهلة والأميين ممن جرى استقدامهم ليقوموا بتزكية قراراته دون مقاومة كالقطيع، مقابل الحصول على امتيازات وإتاوات، ونظير قضاء مصالح شخصية وعائلية”.

المتحدث، أبرز في معرض تصريحه أن طيلة 11 سنة، جثم فيها “الحاكم العام”، في إشارة إلى عبد المولى، على صدور المنخرطين المرضى وذوي حقوقهم، إذ لم يتوقف نزيف أموال المنخرطين على مدى سنوات.

مطالب بربط المسؤولية بالمحاسبة

إذا كان عدد من المتتبعين والمسؤولين في التعاضدية قد تنفسوا الصعداء بعدما أبرق اليوم الأربعاء قرار توقيف رئيسها، فقد طفت مطالب يإحالة ملفات الفساد التي تورط فيها عبد المولى عبد المومني على القضاء، تنفيذا للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.

في هذا الصدد، شدَّد بوشعيب دو الكيفل على ضرورة تدخل السلطة القضائبة من أجل فتح تحقيق نزيه في الصفقات التي عرفت اختلالات وجرائم تبدير المال العام التي رصدتها مجموعة من التقارير، مطالبا كذلك بتدخل المجلس الأعلى للحسابات على الخط.

من جهة أخرى طالب المتحدث بإعادة النظر في النظام الانتخابي الخاص بمجلس إدارة التعاضدية وفي علاقة التعاضدية مع صندوق “كنوبس”، إلى جانب فسح المجال أمام كفاءات جديدة ذات باع في مجال التدبير والتسيير ودراية معتبرة بطبيعة القطاع، لتولي المسؤولية.

التعليقات على نهاية عبد المومني.. تفاصيل صدور القرار الذي أنهى عهد “السيبة” في تدبير التعاضدية مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بعد إقالة العامل.. فيدرالية اليسار: تمارة تحولت إلى بؤرة للفساد والنهب والاغتناء غير المشروع لبعض رجال السلطة والنافذين

قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي، إن تمارة تعرف وضعا اجتماعيا وصفته بـ “المقلق”…