مراد بورجى

إذا كان وكيل الملك في ملف السطو على أراضي الدولة والأحباس التي تناهز قيمتها الـ360 مليار سنتيم قد دخل على الخط، وأمر أمن عين الشق بالاستماع للبرلماني شفيق عبد الحق الذي فجّر القضية، بعد نشر فيديو في الموضوع بخصوص الأرض المسمات “الهجام” التي تم السطو عليها، لازال هذا الملف يراوح مكانه. فإن قضية انتزاع عقار من شركة نقل المدينة وتسليمه للرئيس السابق لعين الشق وجهة الدار البيضاء للإستفادة الشخصية منه عرف تطورات جد مهم.

فبخصوص ملف الست هكتارات من أرض “الهجام” المذكورة، والتي يقدر ثمنها بعد تجزئتها بـ60 مليار سنتيم فإن “منعشا عقاريا” يسابق الزمن لوضع الجميع أمام الأمر الواقع، فقد انتهى من تسييج أرض الأحباس وسيشرع في بناء مشروعه عليها بكل أريحية، معتمدا في ذلك علي ترخيص عبد العزيز العمري عمدة الدار البيضاء، بحماية من عامل عين الشق حمُّو ورئيس مقاطعتها، الذي سُلم له “الترخيص” في ظروف غامضة كما أكد ذلك البرلماني شفيق عبد الحق عند الشرطة، وأن هذا الملف تشوبه شبهات كثيرة، منها أن هذه الأرض التي تم السطو عليها هي في ملكية الأحباس، كما أكد ذلك بلاغ وزير الأوقاف، وملف السطو عليها لازال معروضا على أنظار القضاء، متابع فيه شخص يعتقد أنه وسيط من أجل التزوير عل هذا العقار، شأنه شأن شخص آخر متابع من أجل تزوير البقعة المجاورة وتسمى “الهجامية”، مساحتها تقدر بثلاثة هكتارات ونصف، وثمنها مجزئة يصل إلى 35 مليار سنتيم، وهي أيضا في ملكية الأحباس تم السطو عليها بدورها، وقد قضت المحكمة ابتدائيا بإدانته بعشر سنوات سجنا نافذا، واستئنافيا ارتأت المحكمة خلال الأيام القليلة الماضية تمتيعه بتخفيض عقوبته الحبسية من عشر سنوات إلى أربع سنوات سجنا نافذا.

شأن هذه الملفات شأن السطو على عشر هكتارات ونصف أخرى من أرض مقبرة أولاد حدو، تساهلت السلطات برآسة العامل حمُو فغضَّت الطرف عن بناء حائط قِسْمة، في الوقت الذي أمر بمنع بنائه كل العمال السابقين لعين الشق، لعلمهم بالمؤامرة للحؤول دون تدخل الأوقاف وللأخذ به كحد طبوغرافي من أجل تأسيس رسم عقاري مزور.

وهي نفس الطريقة وطرق أخرى اعتمدوها في السطو على أراضي مخزنية وأراضي الأحباس وأراضي مسترجعة التي يقدر ثمنها بمئات ملايير السنتيمات.

ولابأس أن نتوقف هنا عند بعض الأساليب التضليلية والتقنيات الإجرامية المستعملة في السطو على الأراضي:- تكليف أشخاص للتنقيب والتفتيش عن عقارات منسية أو أراض للدولة غير محفظة. – دفع وتسخير أشخاص مشتبه فيهم للقيام بعملية شراء وبيع مزورة بالتدليس.- استغلال وشراء موظفين بمصالح تصحيح الإمضاءات لشرعنة أعمال التزوير. – إستغلال ملكيات ملغية سبق أن تأسست عنها صكوك عقارية. – توظيف وشراء طبوغرافيين لترسيم بيانات حدود غير حقيقية على أرض الواقع. – تناقضات واضحة بالجرائد الرسمية. – الإستعانة وتجنيد شهود زور لخلق ملكيات، ونسخ شهاداتهم لتوثيقها بملكيات أخرى. – التواطئ مع محافظين عقاريين لإستخراج صكوك عقارية مزورة. – فتح أرشيف محافظات عقارية أمام مافيات العقار لإخفاء الملفات وسرقة الوثائق. – خلق مطالب بملكيات بدون الإعتماد على شواهد إدارية عاملية، أو قبول شواهد إدارية غير عاملية، أو قبول شواهد من خارج نفوذ العمالة. أو اعتماد على الإلتزامات والتعهدات. – تدوين أرقام خاصة بوصولات أداء رسوم التسجيل مزورة. – اعتماد ملكيات، أو رسوم، أو تركات الموتى، أو تحديد الورثة أو وثائق مشابهة بمراجع مزورة، وغير موثقة بالمحكمة المعنية. – شراء بعض رجال السلطة لتسهيل عملية السطو والحيازة والترامي على ملك الغير، أو أملاك الدولة. – تواطؤ موظفين نافذين لتسهيل الإجراءات المسطرية وتأمين الطريق لها لدى مختلف الإدارات. – مقاضاة الوسطاء والمدلسين الذين ظهرت أسماؤهم تباعا مع كل عملية شراء وبيع مزورة، بهدف الحصول على أحكام قضائية. – توظيف أحكام قضائية والدفع بها لشرعنة السطو على العقارات. – وفِي النهاية ظهور أشخاص يكتسبون ملكية هذه الأراضي بقوة القانون وبحجية مطلقة.

إنها فعلا أساليب تؤكد أننا فعلا أمام عصابة تشتغل بمنطق مافيات الجريمة المنظمة، التي اخترقت دواليب الإدارة، وتحولت إلى بنية موازية توظف لفائدتها إداريين، وموظفين ورجال سلطة، ومنتخبين فاسدين. ناهيك عن استغلال الحاجة والهشاشة والفقر.

وهي عصابة إجرامية، ومافيا منظمة، تفرض على قضاة النيابة العامة التدخل العاجل لتفكيكها، انسجاما مع هذه الإرادة الملكية القوية المتجسدة في هذا الجيل الجديد من خطابات العاهل المغربي غير المتساهلة مع المتورطين في النهب والفساد. وإعادة النظر في بنود الحقوق العينية، خصوصا منها بند الحجية المطلقة، وأجل التقييدات. ثم إعتماد الحجز و”التثريك” في حالة اختفاء المدلس.

لنعود لملف السطو على الخمسة هكتارات وثلاثون آر التي يصل ثمنها اليوم 80 مليار سنتيم مجزئة، والتي حولها الرئيس السابق لمقاطعة عين الشق بالدار البيضاء شفيق بنكيران، ورئيس جهتها لملاعب خاصة وقاعات الأفراح والمؤتمرات بدون وجه حق وبعد انتزاع عقار من حيازة الغير بدعوى أنه اكتراها من مندوب الأملاك المخزنية بالدار البيضاء، فقد تقدمت شركة نقل المدينة بشكاية في الموضوع.

على إثر ذلك استمعت الشرطة القضائية بأمن آنفا للمسير القانوني لشركة نقل المدينة الذي أكد أن شركته هي صاحبة الحيازة والتصرف وفق عقد التدبير المفوض، وأن الشركة تتصرف في العقار المذكور مند سنة 1984 أيام الوكالة المستقلة للنقل الحضري التي تحولت إلى شركة نقل المدينة.

وأن القطعة الأرضية دات الرسم العقاري 12468/س والبالغة مساحتها خمسة هكتارات و300 متر كانت تُستغل في إطار الخدمات الإجتماعية لمستخدمي الشركة البالغ عددهم 4000 عامل.

بعد ذلك أنجزت دراسة واقفت عليها الجهة المفوضة سنة 2009، خصصت جزءا من القطعة الأرضية لاستيعاب 200 حافلة وضعتها الشركة بها، فيما خصص الباقي لبناء مرافق رياضية وترفيهية تنضاف إلى المرافق الرياضية والترفيهية والبنايات الأخرى التي كانت مبنية على العقار.

لقد صرح الممثل القانوني لشركة نقل المدينة وكذا خمسة شهود من مستخدمي الشركة للظابطة القضائية بأمن الدار البيضاء أنه في يوم 12 فبراير 2014 تفاجؤوا بمجموعة من سيارات الدولة نزل منها مسؤولون يعطون أوامر لجرافتين لهدم البنايات المتواجدة فوق البقعة المذكورة، مدعومين بعناصر القوات المساعدة التي منعت أي تدخل من العمال.

قام هؤلاء بهدم الجدار الواقي للقطعة الأرضية، وملعب لكرة القدم معتمد من طرف الجامعة الملكية لكرة القدم وملعبين لكرة المضرب، وملعبين آخرين الأول لكرة السلة والثاني لكرة اليد، ومرافق أخرى كبنايات الحراسة والإستقبال والحمامات، ومستودع الملابس وغيرها من المرافق الأخرى، وكذلك مركز للتحويل الكهربائي، والإنارة العمومية، وردم بئر، وحددت الشركة الخسائر بأكثر من 500 مليون سنتيم.

وعززت الشركة شكايتها بمجموعة من الوثائق من بينها وثيقة تفيذ أن مندوبية الأملاك المخزنية سبق أن تعاقدت مع الجهة المفوضة من أجل بيع البقعة للوكالة سنة 1985 بمبلغ حوالي 500 مليون سنتيم. والغريب في الأمر أنه بعد 33 سنة من ذلك حددت قيمتها من طرف اللجنة التي يرأسها العامل حمُّو في نفس المبلغ لبيعها لشفيق بنكيران.

رغم أن العمدة محمد ساجد وقع شهادة تؤكد بأن البقعة المذكورة تعود حيازتها والتصرف فيها لشركة نقل المدينة.

والعجيب في الأمر أن الممثل القانوني لشركة نقل المدينة خالد الشروعات هو وشهوده تحفظوا عن الإفصاح عمن قام بالهدم أو تحديد هوية الأشخاص الذين اقتحموا البقعة الأرضية وأمروا بهدم بناياتها.

هذا التصرف يجعل البعض يعتقد أن الشكاية هي مناورة لإبعاد الشركة عن تحمل مسؤوليتها عن ضياع البقعة الأرضية التي تتصرف فيها ، وكذلك الممتلكاتها التي تم هدمها والتجهيزات التي تم إتلافها، خصوصا أنها تتفادى الإصطدام مع مجلس المدينة والإدارة الترابية التي تدين لشركة نقل المدينة بمبلغ 4.3 مليار درهم، لا يريد لا مجلس المدينة ولا مسؤولي الداخلية أدائها للمستثمر.

وهي الوضعية التي عاشها ويعيشها العديد من المستثمرون المغاربة مند تولي الإسلاميين الحكم، وخلال مرحلة البلوكاج لغاية اليوم.

وليس هذا فحسب، بل راج أن شركة “نقل المدينة” استعملت حق الحبس على جميع الممتلكات والمنقولات وحق النقل المسلمة لها في إطار التدبير المفوض، لفائدتها إلى غاية تسوية الوضعية المالية، عندما أحس المستثمر أن هناك مؤامرة حيكت ضد شركته بعناية من أجل إبعاده ونزع التفويض منه وتسليمه لغيره.

إذا كانت هذه هي الأسباب التي جعلت المسير لشركة نقل المدينة يتستر عمن قام بجناية الهدم الخطيرة، وتبديد المال العام واستغلال شخص لفائدة مؤسسة يتولى تسييرها، فإن تقرير جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2016 فضح ذلك وحمّل المسؤولية لمسؤولي الدار البيضاء وسماهم بصفاتهم، فقال أن سحب هذا العقار دون احترام للمقتضيات التعاقديّة بين الجهة المفوضة “ممثلة بشركة نقل المدينة” ومندوبية الأملاك المخزنية وتسليم العقار ليتم استغلاله من طرف شخص خاص ليست له علاقة بعقد التدبير المفوض شيئ غير قانوني ويعد خرقا، خصوصا أن هذا العقار لا يمكن تفويته أو بيعه أو إيجاره، ويلزم معه إرجاع الحالة.

وحمل التقرير المسؤولية لعمدة المدينة أولا محمد ساجد أنذاك والوزير في حكومة العثماني حاليا الذي كان قد راسل شركة نقل المدينة عدة مرات من أجل إفراغ البقعة في الوقت الذي وقع فيه شهادة يؤكد فيها أن شركة نقل المدينة تملك حق الحيازة والتصرف.

وأكد التقرير أن البقعة التي تم اقتحامها كانت تتكون من أموال عقارية أي عقارات، ومنشآت وتجهيزات تقنية ثابتة وأنظمة معلوماتية، ووسائل الإتصال وتجهيزات تابعة للشبكة ومن بينها يوجد مركب رياضي مما يؤكد واقعة الهدم عند اقتحامه وتسليمه لشخص خاص.

وتفادى التقرير ذكر أن الشخص الخاص الذي سُلمت له البقعة المذكورة بعد اقتحامها وهدمها، وليس هذا الشخص إلاّ نفسه بنكيران شفيق الذي كان وقتها رئيسا لجهة الدار البيضاء الكبرى ورئيسا لمقاطعة عين الشق التي تقع البقعة المذكورة بدائرة نفوذها الترابي، وتحت مسؤوليته.

وفي الأخير حمَّل تقرير جطو المسؤولية لوالي جهة الدار البيضاء أنذاك، وعامل مقاطعة عين الشق، ورئيس جماعة الدار البيضاء أنذاك أي العمدة محمد ساجد، وكذلك المندوب الجهوي للأملاك المخزنية.

ما يمكن استخلاصه من هذا التقرير أن هؤلاء المسؤولين المذكورين يتحملون مسؤولية انتزاع عقار من ملكية الغير، وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة والهدم واستغلال فائدة من مؤسسة يتولون تسييرها وربما جرائم أخرى منصوص عليها وعلى عقوبتها بالقانون الجنائي المغربي، ما يلزم معه إحالة الملف من المحكمة الإبتدائية التي وضعت فيها الشكاية، على الوكيل العام للملك المتخصص في الجرائم المالية.

إن تخلف هؤلاء المسؤولين عن القيام بواجبهم، وتركهم لقضايا الوطن والمواطنين عرضة للضياع، يتحدون به مباشرة ملك البلاد محمد السادس الذي أقر أمام هذا الشعب في خطابات غير مسبوقة، تعهّٓد فيها بالتدخل لحماية مصالح المواطنين، والقيام بردع من تخلف من المسؤولين عن أداء واجبه، حيث اعتبر الملك تقاعس هؤلاء المسؤولين عن أداء واجبهم خيانة للوطن.

التعليقات على تحقيق مثير بالوثائق.. هكذا تشتغل مافيا العقار بالدار البيضاء للسطو على أملاك الدولة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط انتقادات حقوقية

بالإجماع ودون اعتراض، تم انتخاب السعودية الأربعاء (27 مارس) لرئاسة لجنة وضع المرأة. وسيشغل…