محمد أيت بو*

يُخيل لك في الوهلة الأولى أنك في ساحة جامع الفناء بمراكش أو ساحة الهديم التاريخية بمكناس، لكن سرعان ما يظهر الـ”طرامواي” بلونه المميز لتكتشف أنك في قلب ساحة الأمم المتحدة “ماريشال” سابقا وسط الدار البيضاء، ونغمات القيثارة والآلات الموسيقية الأخرى تتغلب على صخب وضجيج أبواق السيارات.

حلقات دائرية هنا وهناك، يتجمهر حولها أناس من جميع الأعمار للاستمتاع بوصلات غنائية وايقاعية يؤديها شباب في مقتبل العمر مهووسون بمغازلة القيثارة وترديد الأغاني والمقاطع الموسيقية الغربية والعربية.

وبرز فن الشارع أو موسيقى الشارع، في السنوات الأخيرة في الدار البيضاء بالخصوص لشباب اختاروا أن يقدموا عروضهم للناس كل مساء بساحة ماريشال، عوض أن ينتظروا دورهم في قاعات العرض أو لتقديم طلب لأصحاب المواعيد الفنية الوطنية لإبراز مواهبهم على الخشبة.

“السطافيط”

ليس من الهين أن تقتحم ساحة عمومية وتبرز مواهبك للجمهور أو العامة دون أن تجد عراقيل واستفسارات من طرف السلطة، هكذا تتذكر مجموعة “بيدرو وكريم وأحمد” قصتهم مع السلطات في بداياتهم الأولى سنة 2013 في الساحة، “كنا نجد عراقيل كثيرة من طرف الأمن وليس مع الناس حيث كنا دائما “كنطلعو لسطافيط حنا والماتيريال ديالنا”.

وأضاف بنوع من التحدي “لكن لم نيأس ومازلنا نمارس ما نحبه، وبعد ذلك تم السماح لنا بان نؤدي مقطوعاتنا الموسيقية ونتقاسم هوايتنا مع الناس”.

اليوم يضيف المتحدث “لم تعد السلطة تطاردنا بل بالعكس فقد تم تمشيط الساحة من ممتهني مهن أخرى كبيع المنتجات وممارسي فن “الحلقة” وبقي أصحاب الموسيقى وفن الشارع”.

وزاد قائلا لـ”الأول”، ما نقوم به “ليس سيئا وليس فيه ما يسيء للسلطة بل هو عبارة عن أحاسيس نتقاسمها مع الناس ليحسوا بنوع من الارتياح كلما سمعوها”.

هواية أم مهنة

يقول كريم أن ما يقوم به هو ومجموعته ليس من أجل المال بل هو أمر “ثانوي في حياتنا العادية لكن الأساسي هو أن نتقاسم الموسيقى مع الناس ليس إلا”.

وزاد قائلا “ما نريد أن نُوصله إلى الآخر أن موسيقانا ليست تسولا أو “حلقة” هذا “فن الشارع”، نرحب بالكل ونروج صورة إيجابية عن المغرب”.

نفس الفكرة، يؤكدها أحمد، حيث يقول أن الهدف من تقديمهم للموسيقى في الشارع العام هو لتقاسم أحاسيسهم مع مختلف زائري ساحة “ماريشال”، وللتعبير بطريقتهم عن مشاعرهم والتخفيف على الناس عبء وضغط انشغالات الحياة اليومية.

إطار قانوني

لم ينف “كريم” أنهم فكروا من ذي قبل في تأسيس إطار قانوني ليترافعوا به عن مشاكلهم ولتنظيم فن الشارع، إذ يقول “قمنا باجتماعات كثيفة حول موضوع تأسيس جمعية أو إطار قانوني خاص بأصحاب موسيقى الشارع ولكن لم تنجح الفكرة لتعقد المساطر الادراية”.

وأشار “كريم” إلى أن غياب تنظيم قانوني لفن الشارع حرمه هو وزملائه من الحصول على بطاقة الفنان بالقول “أنا الآن محروم من بطاقة الفنان، رغم أنني شاركت في حفلات فنية على منصة مهرجانات وسبق للصحافة أن خصصت لي ولزملائي مقالات صحفية، لكن رغم ذلك يصعبون علينا المأمورية للحصول على بطاقة الفنان”.

قبول ورفض

تختلف آراء ساكنة الدار البيضاء، حول “فن الشارع” بين القبول والرفض، لاعتبارات شخصية أو موضوعية.

وقالت سارة 23 سنة، طالبة جامعية، في حديثها لـ”الأول”، إن هذا النوع من الفن يضفي على ساحة الأمم المتحدة نوعا من الجمالية والحيوية، “شخصيا يعجبني ما يعزفه هؤلاء الشباب من مقاطع موسيقية، وكل مساء أستمتع بموسيقاهم، حيث تضفي على الساحة حيوية وجمالية من نوع خاص”، مضيفة، “مع ضغط الانشغالات اليومية أقصد الساحة للاستمتاع بموسيقى هؤلاء الشباب فهي بالمجان وحية كأنني أحضر مهرجانا موسيقيا لكن بإمكانيات بسيطة”.

على عكس سارة، يرى عبد الصمد، 27 سنة، مستخدم، أن فناني الشارع، يسببون له نوعا من الازعاج، وأضاف، “لا أتفق مع انتشار هذا النوع من الفن في الشارع العام، لما يسببه من إزعاج خاصة أن بعضهم لا يمتلك صوتا جميلا للغناء وهو ما يزعجني وأنا أرتشف قهوتي المسائية بالمقهى”.

أما بخصوص حميد، 35 سنة، وهو ناذل بأحد المقاهي بساحة الأمم المتحدة، يقول، “هؤلاء الشباب يساهمون بطريقتهم في “الرواج ديال لقهاوي” ومرتادي المقهى معجبون بالموسيقى التي يقدمونها من خلال التفاعل مع ألحانها، ولم يسبق أن اشتكى أحد الزبائن منهم”.

حرية تعبير أم استغلال للفضاء العام

يرى مهدي أزدم، مختص وباحث في الفن، أنه قانونيا لا يمكن أن نقول بأن فناني الشارع يستغلون الفضاء العام، لأن هناك آخرين مثل الباعة المتجولين يستغلونه بشكل آخر.

وأوضح ذات الباحث في حديثه مع “الأول”، بأن هؤلاء الشباب يحسون بأن الناس ضدهم لأنهم يعتقدون بأنهم يمارسون التسول عن طريق الموسيقى.

وبالنسبة لي، يضيف المتحدث، “فن الشارع ليس حرية تعبير لأن القانون المنظم للتجمعات العمومية يؤطر هذا المجال رغم أنه غير واضح في شق التظاهرات الفنية”.

وزاد الباحث مهدي أزدم، بالقول، “في اعتقادي أن هذا الفن شيء إيجابي لأن الناس لا يزالون يعتقدون بأن الفضاء العمومي ليس لهم ويخافون منه وأمام هذا الفن أصبح الناس يقضون وقتا أكثر في الفضاء العمومي”.

وأضاف أن “هؤلاء الشباب يمارسون حريتهم في استغلال الفضاء العمومي كما في باقي أقطار العالم لأن هناك قوانين منظمة للتجمعات العامة يأتي الشباب لعزف موسيقاهم لأنها لا تمس بحرية الآخر”.

أما بخصوص حرية التعبير، يوضح المتحدث، فهذا موضوع آخر لم نصل بعد لهذا المستوى لنقول، هل لهؤلاء الشباب حرية في التعبير في موسيقاهم أم لا؟ لأنهم يعزفون موسيقى عادية وليست ملتزمة لتمنعهم السلطة، وهم ما يزالون في نقطة واحدة مفادها هل نبقى في هذا المكان أم لا؟.

*صحافي متدرب

التعليقات على ساحة ماريشال بالبيضاء.. هكذا يمنح الشارع الفرصة للفنانين الشباب لصعود الخشبة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط انتقادات حقوقية

بالإجماع ودون اعتراض، تم انتخاب السعودية الأربعاء (27 مارس) لرئاسة لجنة وضع المرأة. وسيشغل…