مصطفى الفن

صحيح أن ما وقع أول أمس بالحسيمة مأساوي ومحزن خاصة عندما تزامن ذلك التدخل الأمني العنيف ضد محتجي الريف مع فرحة العيد.

وصحيح أيضا أن بعض الأمنيين الذين اشتغلوا مع الجنيرال أوفقير لازال لهم بعض الثقل وسط بعض الأجهزة التي يقودها اليوم جيل جديد من الشباب لهم فهم مغاير لماهية “المقاربة الأمنية كما كانت من قبل في سنوات الرصاص.

وصحيح كذلك أن دولة الأمس هي غير دولة اليوم. وها قد لاحظنا كيف أن التدخل الأمني بالحسيمة ليوم العيد أدانه واستنكره الجميع بمن فيهم أولئك المسؤولون عن “مأساتنا الجماعية”.

لماذا؟

لأن انتقاد الدولة أو “عنف الدولة” لم يعد اليوم مكلفا.

اليوم صار بإمكان حتى جبناء القوم ومن لا مصداقية لهم أن يجلدوا الدولة ويكسروا عظام مسؤوليها على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يقع لهم أي مكروه.

بمعنى آخر أن انتقاد الدولة اليوم أصبح طقسا يوميا يشبه “رياضة المشي” التي يمكن للجميع أن يزاولها في أي توقيت يناسبه.

وهذا بالطبع مكسب هام نحن ممتنون فيه لأجيال سابقة من شرفاء هذا الوطن، الذين قدموا تضحيات جساما ليكون بلدنا بهذا “الهامش الديمقراطي” ولو بهذا الضيق.

في عهد الراحل الحسن الثاني كان انتقاد الدولة ذا تكلفة باهظة جدا.

ولأن الأمر كذلك فقد كان الناس وقتها صنفين لا ثالث لهما: إما أنك مناضل من نحاس، وإما أنك منبطح بلا نحاس وبلا أي شيء آخر.

أما اليوم فقد تشابه علينا البقر ولم نعد نميز بين “الرجال” و”أشباههم” لأن دولة اليوم لم تعد مهابة الجانب. وربما لهذا السبب لم يعد “البعض” يتلطف حتى في مخاطبة عاهل البلاد.

والعبد لله لم يفهم كيف أن البعض طالب بتدخل الملك شخصيا لإنهاء الأزمة بالريف، وعندما حصل هذا التجاوب مع هذا المطلب في مجلس وزاري وجهت فيه كلمات قاسية إلى وزراء بأسمائهم، فإن هناك من استخف، في اليوم نفسه، بالمبادرة الملكية وشكك في كل شيء حفاظا على هذا “الستاتيكو” القاتل.

شخصيا كنت أتمنى أن يلتقط عقلاء الحراك الشعبي بالريف الإشارة الملكية عقب المجلس الوزاري لأن خروج المحتجين إلى شوارع الحسيمة في اليوم الموالي لهذا المجلس كانت بمثابة رسالة سلبية أو هكذا فهمت من طرف محيط الجالس على العرش.

وكم وددت لو أعطى محتجو الحراك بعض الوقت للمبادرة الملكية كي تستوي على سوقها في وجدان الناس لأن عنصر الزمن له رمزيته في إدارة شؤون الحكم.

صحيح أن مسيرة العيد التي دعا إليها نشطاء الحراك كانت بطابع سلمي لكن الأمور بمقاصدها كما يقال. فقد بدأت الاحتجاجات سلمية وانتهت بعنف.

والحقيقة كما رأينا لا كما سمعنا: إصابات وسط المحتجين وإصابات وسط رجال الأمن.

لكن من هي الجهة التي بدأت العنف أول مرة؟

الجواب عن هذا السؤال ليس مهما حتى لو كانت قوات الأمن سباقة إلى استخدام العنف.

المهم هو أن السلمية تبخرت وتوارت إلى الخلف عندما رد المحتجون هم أيضا بعنف على عنف الدولة.

وماذا كانت النتيجة لهذا “الاحتجاج السلمي” الذي كان يمكن تأجيله عوض فرضه كأمر واقع يوم العيد بهدف واحد هو لي ذراع الدولة وقتل مبادرة ملكية في مهدها؟

النتيجة هي أن كل شيء ربما عاد الآن إلى الصفر بعد أن كانت الترتيبات جارية للإفراج عن قرارات أخرى سارة للريف ومعتقلي الحراك وذويهم.

وأنا هنا لا أدافع عن الدولة ولا عن مقاربتها الأمنية أو غير الأمنية.

أنا صحافي ولست وزيرا للداخلية كي أدافع عن الدولة.

أنا أدافع هنا عن منهج في التفكير ينبغي أن يسود ليربح الوطن ولا شيء غير الوطن.

وهذا المنهج هو الذي يجعلني أستنكر تلك الطريقة غير المهنية التي صاغت بها وزارة الداخلية بلاغها حول التدخل الأمني لتفريق مسيرة المحتجين.

بلاغ الداخلية تحدث فقط عن المصابين في صفوف قوات الأمن ولم يتحدث عن تلك الإصابات التي كان ضحيتها المحتجون.

ولو أن مثل هذه المهام المتعلقة بالتغطية الإعلامية المهنية كان ينبغي أن يتكفل بها الإعلام العمومي وقنوات فيصل العرايشي عوض تركها إلى فرانس24 وروسيا اليوم وبعض القنوات الأجنبية المماثلة.

ولأني أدافع عن منهج، فأنا، بالمقابل، غير متفق أيضا مع بعض زملائي الذين انتقدوا قرار إسناد التحقيق في تأخر المشاريع التنموية بالريف إلى مفتشيتي الداخلية والمالية بدعوى أن هاتين الوزارتين لن تكونا محايدتين في تقريرهما المرتقب.

شخصيا لا أرى هذا الأمر من هذه الزاوية لأن الطبيعي هو أن نسند التحقيق في مثل هذه الملفات إلى مؤسسات حكومية يمكن لنا محاسبتها اللهم إلا إذا كان البعض يريد استيراد مراقبين دوليين ليعلمونا كيف نحرر “تقريرا محايدا” حول قضايانا الخلافية.

وهذا شيء آخر يمكن أن نسميه، والحالة هذه، “إنا عكسنا”.

وأنا لا أقول هنا إن التقرير الذي أمر الملك بإنجازه حول تأخر مشاريع الريف سيكون نزيها أو غير نزيه.

فلا يعلم الغيب إلا الله.

لكن ما هو معلوم هو أن التقرير المنتظر سوف تشرف عليه القاضية السابقة في المجلس الأعلى للحسابات التي ليست إلا الوالية زينب العدوي التي عينت في منصب المفتش العام للداخلية.

وليس سرا أن العدوي امرأة نافذة ولا يتحكم فيها أي رمز من رموز “التحكم” أو وزير من الوزراء.

السيدة لها ولاء قوي للملك ولا تعرف أحدا غيره، وهي أقوى من الوزير لفتيت نفسه، بل أقوى من الوزير السابق في الداخلية محمد حصاد الذي نال حصة الأسد من التقريع الملكي في المجلس الوزاري.

التعليقات على ليس دفاعا عن “عنف” الدولة في الريف مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…