سعيد الشاوي 

استطاع حزب العدالة والتنمية الحصول عدد مهم من المقاعد مقارنة مع الأحزاب التي تنافست معه رغم كونه تعرض إلى حملة مضادة قوية قبل وأثناء الحملة الانتخابية ليوم 7 أكتوبر 2016، الأسباب في اعتقادي تتلخص في التالي:

1-    تآكل المشروع المجتمعي للأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية التي يبدو أنها استنفدت دورها التاريخي والسياسي ولم تعد قادرة على التعبير السياسي عن الشرائح  الاجتماعية التي كانت قاعدتها في السابق والتي عرفت تحولات طبقية جوهرية لم تتمكن هذه الأحزاب على مواكبتها سياسيا ،تنظيميا وبرنامجيا.

هذا الانزياح الذي حصل في قاعدة هذه الأحزاب استفاد منه حزب العدالة والتنمية كما استفاد من جميع الشرائح الأخرى بما فيها العليا التي لم تجد لها صوتا داخل المخزن وخاصة بعض فئات الباطرونا التي دافع حزب العدالة والتنمية بشراسة عن عدوانيتها اتجاه الشعب المغربي وخاصة العمال منهم، موفرا في نفس على المخزن عناء التورط في أي صراع ضد هذه الفئات ( قانون الإضراب ،مغرب ستيل، قانون التقاعد، صندوق المقاصة…).

2-    نهاية الأحزاب التي تم تفريخها لأداء أدوار لحظية أو ما اصطلح عليه الأحزاب الإدارية هي الأخرى استنفدت دورها السياسي ونهايتها هي مسالة وقت لا أكثر وعملية إنعاشها في الظرف الراهن لم تعد مفيدة بالنسبة للمخزن خاصة بعد اضطراره إلى البحث على جيل جديد من المتعاونين لاستمرارية مشروعه.

3-    حزب الأصالة والمعاصرة الذي حاول لعب دور المعارضة في السابق وجر معه بعض الأحزاب بما فيه المحسوبة على الحركة الوطنية والتي انتبه بعضها إلى الخطأ  الذي وقع فيه وكان يمكن أن يكون قاتلا،  فشل فيها بنيويا لطبيعته، لأنه لا يتوفر على مقومات حزب باعتباره عملية تجميع لعناصر لا رابط بينها، اعتقدت في مرحلة ما أنه يمكنها أن تشكل حزبا مؤهلا للتحول إلى نقطة جدب للمناضلين اللذين هم في وضعية كمون أو انسحاب مؤقت من العمل السياسي أو انتظار.

كما أن برنامج الحزب هو تقعيد مشروع المخزن ليصبح أكثر تغلغلا في مفاصل المجتمع وقد تدبدب بين تبنيه الحداثة ومحاربة أسلمة المجتمع أحيانا ومناهضة سياسة التقشف والتضييق على الطبقات الوسطى التي تنهجها الحكومة أحيانا أخرى، لكنه كان دائما عاجزا على أن يكون في الموعد حين تتماهى ضربات المخزن وحكومته الموجهة للشعب المغربي في كرامته وقوته وحريته الجماعية والفردية.

كما توهم مؤسسو هذا الحزب أنه يمكنهم تشكيل حزب، ما هو بيسار ولا هو بيمين، بل حزب فوق التناقضات يحترف بعض قادته الكلام، تكتل لأصوات تجمع على ضرورة إنقاذ الوضع وتصحيحه وأن تلتف حول الملك من أجل القيام بتغيير يحافظ على الأصيل وهو المخزن ويؤسس للمعاصر أو الحداثة التي كانت بالأمس القريب مشروع أحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية اللذين انتهى دورهما التاريخي والسياسي، وقد ذهب البعض بعيدا في التعبير عن الخلط حيث وصف نفسه بـ “ماركسي ملكي” معتقدا أن الشعارات هي من يصنع الواقع.

هذا المشروع الذي نعيش نسخته المشوهة اليوم، حاول الراحل أبراهام السرفاتي الترويج له، بعد عودته من المنفى مباشرة بعد تولي محمد السادس مقاليد الحكم بناء على تقدير صادق لبعض المعطيات التي أبهرته لحظتها، حيث عمل على الدعوة إلى تشكيل تكتل خاصة من اليسار يلتف حول محمد السادس الذي كان في بداية حكمه. مشروع الراحل أبراهام السرفاتي هو من أجل دمقرطة المغرب والقضاء على النظام التقليدي وهو ما كان يسميه “القضاء على الظلم وزرع الحرية”، لكن هذا المشروع الذي فشل بسبب مناهضته القوية  خاصة من طرف النهج الديمقراطي الذي كان مقتنعا أن المشروع الذي يدعو إليه السرفاتي لا يتوفر على شروط التحقق وهذا ما أثبته الزمن.

ولا ننسى وللتاريخ أن الراحل أبراهام  السرفاتي أعلن منذ نزوله على أرض المغرب أن مكانه الطبيعي هو النهج الديمقراطي لكنه بدأ يبتعد عنه تدريجيا مع ارتفاع حماسته للدفاع عن المشروع الذي سلف أن ذكرت.

4-    حزب الأصالة والمعاصرة حاول لعب دور المعارضة داخل قبة البرلمان معتقدا أن المعارضة هي تصعيد كلامي منفصل عن حركية المجتمع وصراع الطبقات الاجتماعية في الواقع كما اعتقد أن المعارضة يمكن أن تخلق خلقا بدون توفر شروطها الموضوعية بل يكفي توفر القرار السياسي، هكذا غرق هذا الحزب في سفسطة لم يتمكن من الخروج منها وكانت كل مواقفه عبارة عن مشاكسة طفولية لمواقف حزب العدالة والتنمية حيث كلما انخرطت الجماهير الشعبية المغربية في نضالات تعكس جحيم وضعها الاقتصادي والاجتماعي لم يكن هذا الحزب أو اللذين جرهم إلى طرحه قادرين على أن يكونوا صداها في البرلمان وعجز حتى على التعبير عن مواقف مساندة في بعض القضايا وبالتالي انكشفت حقيقة كونه معارضة بدون مشروع يمكن التعويل عليه شعبيا أي أن جوهر مشروعه هو استكمال لمشروع المخزن على مستوى الشارع في صورة حزبية .

هنا لا بد من التأكيد أن المعارضة التي تعتمد على البرلمان فقط دون أن تلتحم بالشارع هي معارضة مزيفة قصيرة المدى، المعارضة التي لا تستطيع أن تكون جميع الواجهات من برلمان وشارع متكاملة ومنسجمة جميعها تصب في خدمة التغيير والتقدم وتحقيق المكاسب السياسية هي معارضة ناقصة وبدون جدوى وقابلة للاحتواء.

وما اعتبره الأخطر في حزب الأصالة والمعاصرة  يتمثل في كون، إذا كان المخزن يجاهد بكل قواه من أجل حجز أي إمكانية لتطور التعبيرات الطبقية بالمغرب ويعمل على إفسادها وقمعها وتمييعها وإلغائها بكافة الوسائل حتى لا تتطور إلى مستوى صوت سياسي واضح منظم له مشروعه المجتمعي الواضح ويعمل من اجل البحث على تحقيقه من خلال العمل على الوصول إلى السلطة السياسية، إذا كان المخزن يجاهد من أجل إعاقة أي فرز طبقي داخل المجتمع وهو القاعدة الوحيدة والأساسية لأي ديمقراطية، فإن حزب الأصالة والمعاصرة بهذه المعارضة المشوهة التي قادها من داخل البرلمان بدون أية جذور في الشارع واستطاع أن يمتص العديد من أشكال المعارضات التي تعاني الإنهاك والتي انتهى دورها التاريخي والسياسي، كما استطاع أن يوهم جزءً مهما من الشارع خاصة على مستوى البرجوازية الصغرى والمتوسطة، التي تعاني من تبدد وهمها في الحصول على بعض الامتيازات، انه قادر على تحقيق مطامحها. لكن الواقع كان أقوى وعنيد وبالتالي دخل هذا المشروع الحزبي، مرحلة الانهيار وهي بالمناسبة حتمية. كانت انتخابات 7 أكتوبر 2016 دليل واضح على نهايته لأنه رغم الدعم والمساندة والنفخ فيه كان أقصى ما يمكن تحقيقه هو ابتلاع كل الأحزاب وقاعدة هذه الأحزاب التي  أصبحت صلاحيتها منتهية وجر كل العناصر، المسماة أعيان، والتي ليست سوى برجوازية حققت ثروتها على الريع والفساد .

بكل تأكيد مشروع حزب الأصالة والمعاصرة هو اخطر بكثير من جميع المشاريع الحزبية التي عمل المخزن على بنائها لأنه يكمل دور المخزن في الشارع ويصنع قطبية مزيفة تبتلع الأحزاب المنتهية صلاحيتها والانتهازية الصاعدة التي تجد لها في العديد من النخب مرتعا خصبا إضافة إلى كل الباحثين عن وظيفة سياسية اللذين يتوفرون على بعض الأدوات للقيام بها، اكتسبوها في تجارب نضالية كفاحية سابقة ،مقابل مشروع حزب العدالة والتنمية النيوليبرالي المتوحش .

حزب العدالة والتنمية مهما قيل عنه فانه يوجد ضمن مشروع عالمي قبل 2011 وبعدها، راهنت عليه بعض الأنظمة الرجعية مثل تركيا، قطر، السعودية واستعملته أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية.

هذا المشروع هو ما اصطلح عليه الإخوان المسلمون، يميني، مغرق في الرجعية، لاتهمه سوى السلطة مستعد من اجل تحقيق أهداف الفئات التي يدافع عنها التحالف مع الشيطان وليس فقط مع إسرائيل وقد أكدت التجارب ذلك.

حزب العدالة والتنمية اشتغل ضمن هذا المشروع الخبيث طيلة سنوات ،وقد استطاع المخزن أن يستعمله أحسن استعمال أثناء وبعد حركة 20 فبراير 2011 .

حزب العدالة والتنمية إلى حدود ألان ما زال يتوفر على تنظيم يتفوق على جميع التنظيمات الحزبية الرسمية وجاهز قيادة وقاعد على خدمة مشروع المخزن بدون تردد وبفعالية وحماسة منقطعة النظير وميزته الأساسية التي يختلف فيها عن حزب الأصالة والمعاصرة انه إفراز موضوعي لتطور الصراع الطبقي في المجتمع المغربي في علاقته سواء بالوضع الإقليمي أو الدولي ،أي أن هذا الحزب أي العدالة والتنمية هو مولود شرعي للتحول الذي تعرفه تركيبة الطبقات الاجتماعية بالمغرب وفشل مشاريع مجتمعية وبروز أخرى.

حزب العدالة والتنمية استفاد كذلك من اجل بناء قاعدته على مخلفات الحرب على رغبة الشعب المغربي في التحرر والديمقراطية التي قادها المخزن عبر أدواته المتعددة وخرب العديد من المواقع (الجامعة ، التعليم الثانوي، الإعلام، الجمعايت الثقافية الجادة بصيغتها القديمة، الأندية السينمائية…)، كما استطاع المخزن أن يخرب التعليم ويسيد فيه الخرافة واللاعلمية، كما خرب الثقافة من خلال احتواء المثقفين وإرشائهم لخدمة مشروعه ،كما استطاع تمييع الجمعيات الثقافية عبر إفسادها بثقافة ما يسمى بالمشاريع التنموية.

المغرب اليوم يعيش قطبية حزب العدالة والتنمية  طرف منها و الذي هو تركيب لمشروع الإخوان المسلمين العالمي والذي فشل وهذا موضوع يتطلب نقاشا آخر ،وحزب الأصالة المعاصرة الطرف الآخر المصطنع الذي كان يجب سحبه مند سنوات لكن يبدو أن عقلية مؤسسيه اعجز من استيعاب جوهر الصراع التي ما زالت تعتقد أن الوقع يمكن التحكم فيه ،مستحضرة تجارب سابقة حين كان الصراع من اجل السلطة عملية حقيقية وليس فبركة وبالتالي اعتقدت أن كل ما يمكن افتعاله أو صناعته يمكن إدراجه ضمن  موازين القوى القائمة في الأرض وله قوته الذاتية  ،حزب الأصالة والمعاصرة لا يتوفر على مقومات حزب ولا على قوة دانية ،فهو يقتات من دعم المخزن ومكوناته الانتهازية في مجملها  وبالتالي فانه معرض للتأثر باتجاه الريح الذي يحدده دون غيره الصراع الطبقي الفعلي القائم في المجتمع المغربي والذي يتفاعل مع الصراع الطبقي في العالم شاء من شاء ورغب من رغب .

حزب العدالة والتنمية أتبث انه عدو شرس لتحرر الشعب المغربي الاقتصادي والسياسي، أتبث انه عدو شرس

لا بسط أمال الشعب المغربي في العيش الكريم، أتبث أنه منبطح خنوع لكل املاءات الرأسمال العالمي.

إدن لماذا استبداله بحزب أخر ،خاصة إذا كان بدون قاعدة ا وان قاعدته هشة مفككة انتهازية تبيع القرد وتضحك على من يشتريه .

هكذا عمل التحالف الحاكم بالمغرب على إدارة معركتا ضد الشعب المغربي  والتي تعتبر انتخابات 7 أكتوبر 2016 إحدى واجهاتها.

خلاصة:

نهاية حزب الأصالة والمعاصرة موضوعية ، أن  يتمسك به المخزن وكل المؤثرين في القرار السياسي المغربي موضوعي كذلك، أما الشعب المغربي فسيعيش مرحلة جديدة من الصراع السياسي إما أن نكون في مستواها بتغيير العديد من السلوكيات، التي أعتقد أنه آن الأوان لنقدِها، وإما أن ننتظر المفاجئات.

التعليقات على ليس دفاعا عن حزب العدالة والتنمية بالمغرب مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…