أمين مساعد

ثلاث أحداث أثارت الجدل في الأيام الأخيرة٬ كان أولها محاولة اغتصاب فتاة في حافلة من طرف مجموعة من القاصرين لا يتجاوز سنهم 17 سنة، ثاني هذه الأحداث هو وفاة رجل متقدم في السن في محطة القطار بعد غضبه بسبب تأخر القطار، وثالثا إحالة الزفزافي ومن معه على غرفة الجنايات بتهم “ثقيلة” تصل عقوبتها إلى الإعدام استناداً على الفصل 201 من القانون الجنائي.
 
لعل الحديث عن هذه الأحداث وتصنيفها، لدراسة كل حدث بارتباطه بتحولات المجتمع، يجعلنا نتساءل تارة لماذا تظهر مثل هذه الظواهر؟ ولماذا هذه الظواهر “الموسمية” التي تطفو على السطح في كل مرة تلقى تجاوبا خاصا؟ وفي نفس الوقت نتساءل لما هذا التعاطي أو التفاعل موسمي أيضا إن لم نقل أننا أصبحنا نرى “يسار المغرب” مثلا بإمكانه أن يعبئ لمثل هذه القضايا أكثر مما يمكنه أن يعبىء للتوزيع العادل للثروة، كما يمكننا أن نتساءل، أين يمكن أن نصنف تفاعل اليسار مع العديد من القضايا، باعتباره يحمل مشروعا مجتمعيا يطالب بتغيير جذري في علاقات الإنتاج وبالتالي في العلاقات المجتمعية ككل؟
 
بداية، دلالة الأرقام مهمة لتشخيص الواقع، لذلك اخترت الرقم 17 والذي سيتكرر كثيرا.
 
أولا ثلاث شبان ظهروا في فيديو محاولة اغتصاب فتاة، لا يزيد عمرهم على 17 سنة، أتبعه خروج مظاهرات رافضة لمثل هذه السلوكات، مظاهرات استطاعت أن توحد بين نساء ورجال من توجهات مختلفة، واستطاع يساريون تعبئة الإعلام والتفاعل على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الإعداد لوقفة في أقل من 48، وعدم التركيز على الاختلافات التاريخية بين المتظاهرين يومها (ليبراليين، يساريين، إسلاميين…) في رؤية قضية المرأة والحقوق والحريات، الشيء الذي لم يستطع أن يفعله، اثر مطالبة النيابة العامة وبعدها قاضي التحقيق بمتابعة الزفزافي ورفاقه بفصول تتضمن عقوبات تصل إلى الإعدام، على الرغم من أن الحدثين يلتقيان في نفس الطرح الحقوقي.
 
ثانيا وفاة رجل على إثر تعرضه لأزمة صحية كان من مسبباتها تأخر القطار لأزيد من ثلاث ساعات بسبب أشغال تهيئة سكة القطار فائق السرعة “TGV”، الذي يدخل في إطار سياسة المشاريع الكبرى”، والتي لا تخضع لرقابة البرلمان، على الرغم من أن دستور 2011 “ربط” المسؤولية بالمحاسبة، لكن ” يبقى في معظمه حبرا على ورق” باعتراف أعلى سلطة، فبعد مرور أزيد من 17 سنة على انطلاق ما سمي بالعهد الجديد، والذي وضع فيه نظام الحكم توجهات جديدة انسجاما مع التغيرات التي عرفها المغرب كما عرفها العالم، فبدأ بـ”طي صفحة الماضي بالإنصاف والمصالحة”، و”محاربة” الفقر والهشاشة بـ”المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، واعتماد سياسة “الأوراش الكبرى”…، كذلك توجهات جديدة على مستوى التعليم والصحة والشغل..، أنتجت لنا أزمات ومشاكل أكثر، وعمقت الهوة بين الطبقة البورجوازية وعموم الجماهير الشعبية، كما لم تنتج سوى التهميش وأكبر دليل هو خروج أكثر من حراك مصغر ذو مطالب اجتماعية في العديد من مناطق المغرب في القرن 21 من أجل مطالب كان لزاما على “العهد الجديد” أن يكون قد حققها ليثبت فعلا أنه يريد طي صفحة الماضي، والذي كان سببا في كل هذه المآسي.
 
ثالثا، أحال قاضي التحقيق قادة حراك الريف على غرفة الجنايات بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام، في الوقت الذي كان المتتبعون ينتظرون فيه أن تتجه الدولة المغربية إلى التهدأة، عبر اتخاذ خطوات واضحة تبين فيها “حسن نيتها” واتجاهها نحو البحث عن حلول واقعية وعملية، مثلا إطلاق سراح معتقلي الحراك مادامت المطالب هي مشروعة بشهادة “القريب” قبل “البعيد”، وفتح حوار واضح والبدأ في تحقيق مطالب ساكنة الريف، عوض هذا اتجهت الدولة إلى شيطنة كل الفاعلين السياسيين ما عدا القصر، بل وحتى الإصرار على إنجاز مشاريع “متعثرة” بسبب مسؤولين لم تتم محاسبتهم، مشاريع مرفوضة من “ريافة”، بل الأكثر من هذا توجه هرم الدولة إلى تزكية المقاربة الأمنية واعتبار المؤسسة المعنية “تحملت مسؤوليتها بكل شجاعة وصبر”، هذا الذي يدل على أن القادم من الأيام يحمل العديد من الانتكاسات، ولا انفراج في الأفق.
 
كنا ننتظر أن يلتقط “يسار المغرب” كل ما سبق من إشارات وأن يغير من “التكتيك” السياسي الذي يعتمده في هذه المرحلة، وأن “يُصَعِّدَ” اجتماعيا، مثلما كان يفعل في اللحظات الحاسمة “1981 – 1984…”، غير أنه ولحدود الساعة اختياراته تطرح العديد من التساؤلات حول تموقعه الطبقي الحالي، وهذا ليس تشكيكا في “نوايا” أحد ولكن محاولة للفهم، فلماذا يطرح اليسار أسئلة خارج سياقها الزمني وخارج الأحداث (الحداثة، الصراع ضد الإسلام السياسي…) ولا يطرح سؤال الصراع الإيديولوجي مع الطبقة الرأسمالية الحالية وتعبيراتها السياسية؟ لماذا حول التناقض الرئيسي من تناقضه مع المخزن إلى تناقض مع قوى تتموقع الآن ضد المخزن، ولماذا أصبح اليسار متخصصا في الإنتظار فمثلا وبعد أن قررت شبيبات “فدرالية اليسار” الخروج في مسيرة وطنية يوم 27 طالبت القيادات بتأجيل المسيرة، معللة ذلك بانتظار النقابات التي لم يستطع أن “تخرجها” أزمة الريف منذ 9 أشهر، بل الأكثر من ذلك طلب أحد قيادات الفدرالية انتظار”امكانية وقوع تطورات في الملف”، هكذا أصبح البعض داخل “يسار المغرب” ينتظر المخزن فهل الأخير (كنظام) سيغير مثلا موقعه الطبقي؟
 
اليسار الذي عانى سنوات الجمر بسبب اختياراته ووقوفه ضد نظام الحكم أنذاك، عندما كان فاعلا أساسيا في المشهد السياسي المغربي، وبعد أن دخل معضمه في “علاقة” جديدة مع نظام الحكم عقب مسلسل “الإنصاف والمصالحة”، والآن بعد مرور 17 سنة، هناك أزيد من 100 معتقل على خلفية الاحتجاجات في الريف، ومنطقة تعيش “عسكرة” أمنية، وتعاطي مرتجل للدولة، ووسط كل هذا تخرج نساء اليسار لتحتج على حادثة محاولة اغتصاب وكأنها حالة معزولة، ولتعلن تضامنها مع الضحية ولتطالب بمحاسبة المعتدين، وعلى نفس المنوال خرجت كذلك ثلاث قطاعات نسائية لثلاث أحزاب “اشتراكية” مطالبةً بالمساواة ذات المضمون الليبرالي، وحصرها في قوانين “لحماية” المرأة من الرجل، لنتساءل بعد كل هذا، هل مطروح على أحزاب اليسار أن تقوم بأدوار ليبرالية كالنضال من أجل “الحداثة”؟ ومتى كان هم اليسار في المغرب أو في العالم أن يجد حلولا لأزمات البورجوازية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا؟.
التعليقات على نقطة نظام!! مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

لجنة مستقلة: الأونروا تعاني من “مشاكل تتصل بالحيادية” وإسرائيل لم تقدم “أدلة” بشأن اتهاماتها للوكالة

أفادت مراجعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بوجود “مشاكل تتصل…