محجوب لال

سيبدأ رئيس الحكومة المكلف سعد الدين العثماني مشاوراته لتشكيل حكومته الجديدة، وسيستمر في هذه المشاورات لمدة لن تكون قطعا أطول عن تلك التي قطعها سلفه عبد الإله ابن كيران، خصوصا وأن وجود الملك خارج البلاد في أغلب الفترة السابقة وكون ملف العودة للإتحاد الإفريقي وترسيخ قواعد هذه العودة كان الملف الأول فوق المكتب الملكي، واليوم وبعد التفرغ من التحدي الإفريقي أصبح الملف الحكومي هو الأول، وبالتالي، فلا المؤسسة الملكية ولا الشارع المغربي ولا الظرفية الإقتصادية والمؤسساتية يمكن أن تَقبل تأخر تشكيل الحكومة شهورا أخرى.
الإشكال الرئيس الذي سيَعقب المشاورات التي سيجريها العثماني، كونها ستنتهي بالضرورة بثلاث احتمالات أساسية، الأول، نجاحه في تشكيل حكومة تضم فقط مكونات الأغلبية السابقة، الثاني، نجاحه في تشكيل حكومة بالأغلبية السابقة زائد حزب الاتحاد الإشتراكي، الثالث، فشله في تشكيل الحكومة. ولكل احتمال من الاحتمالات المذكورة دلالة رئيسة واحدة على الأقل، هذا فضلا عن كون إشراك الأصالة والمعاصرة أمر غير مطروح البتة بالنسبة لحزب البيجيدي.
فالإحتمال الأول، والقاضي بإمكانية تشكيل الحكومة من الأغلبية السابقة وفقط، يعني بالضرورة أن الإعتراض الذي وُجه لابن كيران وإفشاله في تشكيل الحكومة لم يكن لأسباب منطقية أو واقعية كما يُروج لذلك عبر منابر حزبية وإعلامية بقدر ما يدل على أنه إفشال يُقصد منه إسقاط ابن كيران شخصيا من رئاسة الحكومة وعدم تمكينه من فرصة أخرى، سواء لمواصلة ما بدأه أو حصد المزيد من الشعبية والتعاطف أو التأثير في المشهد السياسي، وإلا فمن الناحية المنطقية، ما الذي سيتغير حتى يَقبل الفرقاء بتحالف يضم أربعة أحزاب حين يكون الرئيس هو العثماني ويُرفض نفس المقترح حين يكون رئيس الحكومة هو ابن كيران.
وأما الإحتمال الثاني، والذي يقول بنجاح العثماني في تشكيل حكومة تضم حزب الإتحاد الإشتراكي، فإنه سيعني بالأساس أن رَفضَ العدالة والتنمية لإشراك حزب لشكر لم يكن لأسباب حقيقية بقدر ما هو رَفضٌ ناتجٌ عن مزاج أو رغبة أو موقف شخصي لإبن كيران من حزب الوردة، وهذا يضرب في الصميم في مؤسسة الأمانة العامة للحزب، والتي ستبدو وكأنها لعبة في يد الأمين العام. وقد يكون قرار عدم إشراك الاتحاد فعلا قرار مؤسَسا ومدعوما بمنطق سياسي ديموقراطي وفق منظور أمانة البيجيدي، وحينها سيجد رئيس الحكومة نفسه في موقف لا يُحسد عليه، موقف أقل ما يقال عنه إنه تنكر لمؤسسات الحزب وقرارات الأمانة العامة، فضلا أنه سيكون أول اختبار حقيقي لمدى قوة وصلابة الرئيس الجديد وقدرته على المواجهة والإنتصار لمخرجات صناديق الإقتراع ومكانة مؤسسة رئيس الحكومة.
ثم يبقى الإحتمال الثالث، وهو فشل العثماني في تشكيل الحكومة، وهذا يعني بالضرورة أن الحرب كانت وما تزال موجهة بالأساس نحو المسار الديموقراطي الذي انخرط فيه المغرب منذ العهد الجديد ببطئ شديد وما بعد حراك 2011 بحركية أكبر، وفي قلب هذه المواجهة توجد معركة محاصرة التيارات الديموقرطية الحقيقية والمؤثرة في البلاد والتي يوجد من بينها حزب العدالة والتنمية.
وما سيجعل من فشل العثماني يشكل دلالة على ما سبق، أن إعفاء رئيس الحكومة المكلف لن يعني أبدا الرجوع للحزب الأول لاختيار رئيس جديد للحكومة وإلا وقعنها في العبث السياسي بكل تأكيد، كما لا يعني العودة للشارع لإعادة الإنتخابات وإلا لما اُحتيج إلى تعيين العثماني والإنتظار كل هذه الشهور، ولكن سيعني، أن المؤسسة الملكية قد تلجأ لتعيين رئيس حكومة من الحزب الثاني أو من التقنوقراط.
ومع ما سيخلفه تعيين رئيس جديد للحكومة مِنَ الحزب الثاني مِن قراءات سياسية ودستورية، سيبقى الحل الأمثل والأقل ضررا بالنسبة لصورة المؤسسة الملكية في المشهد السياسي هو تكليف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة، حيث سيُغلف هذا التعيين بنوع من المبررات التي ستبدو منطقية من وجهة نظر البعض، كضمان الدينامية الإقتصادية وحلحلة المشهد السياسي والإعداد لانتخابات تشريعية جديدة، فضلا عن المبررات السياسية والمتمثلة في أن الحزب قد اُعطِي فرصتين لتشكيل الحكومة ولم ينجح، وأن الفرقاء لا يريدون التحالف معه وأن إعادة الإنتخابات لن تفضي إلا لنفس النتائج مع اختلافات بسيطة مما يبرر عدم إجرائها الآن وإنما بعد فترة إنتقالية.
لإن كان ابن كيران قد رفض المساس بمؤسسة رئيس الحكومة أو أن يشاركه أحد في مهامه التي انتخب شعبيا وعُين دستوريا لأجلها، فإن العثماني سيكون في موقف لا يُحسد عليه في الفترة المقبلة، ليس فقط لحماية سلطان الإرادة الشعبية من الإنتهاك، ولكن أيضا لحماية الصفة التي يشغل، رئيس حكومة، بكل الزخم الذي أعطاه ابن كيران لهذا المنصب، وبكل الأهمية التي بات يشغلها في الحقل السياسي والدستوري المغربي.

التعليقات على دلالات نجاح أو فشل العثماني في تشكيل الحكومة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…