عادل السعداني

عذرا للمتخصصين، فإن هذا النص لا يعنيهم. إنه دعوة، وهنا المفارقة، لأولئك الذين لا يقرؤون أو نادرا ما يقرؤون. لأولئك الذين لا يفهمون، في العمق، جدوى الثقافة، الذين يعتقدون أن الثقافة لا يمكن أن تكون إلا نخبوية. والسبب في ذلك أنهم هُمِّشوا دائما، أو تقريبا، عن مجال الثقافة، أولئك الذين يعتقدون أن هناك أمورا أخرى ذات أولوية على الثقافة، من قبيل الصحة والشغل وتربية الأطفال …

بعد ملاقاة الناس والفنانين والشباب ومَن يكبرونهم سنا والكثير من الهواة والمهنيين والفضوليين، في الجهات الاثنتي عشرة للمملكة، خلال دورة “أيام الأربعاء لجمعية جذور”، التي دامت سنة، لاحظنا انفتاح أذهان الناس، وأصغينا لانتظاراتهم، وقاربنا تفاؤلهم، تفاؤل مهذب، تفاؤل من نوعِ “على الرغم من كل شيء، فنحن أفضل من آخرين!”.

في  النسخة الثانية من “اللقاءات العامة للثقافة”، لا نقوم إلا باستعراض ما قاله هؤلاء، وما أحسسنا به في مدينة العيون وآزرو والدار البيضاء ووجدة وتنغير … وما أحسسنا به، أكده البحث الذي همَّ الممارسات الثقافية عند المغاربة، والذي نقدم بعضا من نتائجه هنا. كان حزن الناس ملحوظا ابتداء من اللحظة التي كانوا ينتبهون فيها إلى أنهم لا يمتلكون من الأنشطة الأخرى سوى التلفاز أو الفايس بوك. هذا النص مُهدى لهم، وبدرجة ثانوية، إلى أصحاب القرار، وإلى الفنانين.

وذلك لأن الملاحظة مريرةٌ. فنحن نحتاج إلى الثقافة لنتطور، ولنطور وعيا بالمصير المشترك بيننا أجمعين. قانونٌ داخلي للسكان، قانون يهم السلوكات وثقافة الاحترام، قانونُ مصير مشترك وثقافة جماعية وفضاء عمومي يتسم بالسكينة ويحترم الجميع، وثقافة المحاسبة.

الأمور الأساسية و”الحد الأدنى” لإعداد مجتمعنا وبلدنا للخروج حقا من مرحلة الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية، أي مدرسة مجانبة وذات جودة ونظام صحي مجاني هو نفسه في صحة جيدة وعدالة عادلة وفضاء عمومي عام ورواية ومشروع مجتمع يحمله الجميع ويلائم الجميع، من باب الكرامة والاعتداد بالنفس والنزعة الانسانية … وأخيرا، يجب على حكامنا ومنتخَبينا أن يستوعبوا أنه لا ينفع في شيء أن تكون من نزلاء الجناح الملكي إن كنا جميعا نركب باخرة التيتانيك. وأن التنمية ليست من اختصاص بعض “الموسوعيين الموهوبين” الذين يُمْلُون على السكان الدروس و”الأوامر” التي لن يتبعوها على أية حال. ولكن يجب إقناع الناس بصحة المقارنة، وجعلهم يحلمون، وأن يكونوا مثالا يُحتذى، والاستجابة لانتظاراتهم، وأن يطلب منهم، بكل صدق، رأيهم وأخذه بعين الاعتبار. وهذه أمور لا يمكن أن توجدها سوى الثقافة وحدها، التربية الشعبية والتربية الفنية وممارسة المسرح وجعل الناس يمارسونه، والموسيقى والسيرك وتنظيم حفلات القرية تنظيما جماعيا، والموسم، وإعادة خلق أشياء جماعية، والحاجة إلى بناء جماعي لمصير مشترك.

المخططات تتابع وتفشل الواحدة تلو الأخرى (مخطط المغرب الأزرق ومخطط المغرب الأخضر ومخطط المغرب الرقمي ومخطط المغرب الثقافي وزيرو ميكا …). لقد حان الوقت ليقول المرء لنفسه إن المراهنة على الثقافة قد تُمكِّن من إرساء الشروط التي تجعل الأعمال ملكا للجميع، ومن ثمة تتحقق. وليس عملا آخر من الأعمال التواصلية التي يقوم بها الوالي أو العمدة أو الوزير أو العامل والتي تنضاف للأعمال التي سبقتها.

إن هذا النص عبارة عن محاولة للبرهنة على أن الثقافة هي كل شيء. إنها النهاية والمسار. لن نتيه في تمرينِ تعريف الثقافة المحفوف بالمخاطر. وإنما نوضح بكل بساطة أننا لا نتحدث حصريا عن الثقافة الفنية أو الجمالية، وإنما أيضا عن ثقافةٍ حاملة للانفتاح وحس النقد، ثقافةٍ مؤسِّسة للشخص ونافعة للعيش المشترك، ثقافة من أجل ثقافة قيم جديدة للحداثة، يجب أن لا يبقى أحد على قارعة الطريق، وخصوصا، يجب أن لا يعتبر أحدٌ أنه من العادي أن يُقصى شخصٌ آخر عن الديمقراطية والحداثة، لأنه بئيس أو أمي أو لأعذار أخرى نتفنن في إبداعها لتبرير أنانية القرارات.

نستهدف السكان. لا نريد فنانين لا يشتغلون إلا باعتبار جودة جمالياتهم، مهما كان مستوى موهبتهم، لأن استعجال الوضعية يدعوهم لذلك. لا يمكن أن نلزِم أيّ أحد، أيًّا كان، أن يقوم بأي عمل، ولكن ليس هناك ما نقوم به معهم. نشتغل مع الفنانين الذين يريدون عن طيب خاطر الاشتغال في هذا العمل الجماعي الذي نحتاجه الآن، ضدًّا عن كل شعور أناني.

إن اللقاءات العامة للثقافة موجودة لأننا نعتقد أن الثقافة يجب أن تُحمَل باعتبارها مشروعا وطنيا لمواكبة التنمية الاقتصادية، والخروج من هذه الوضعية الدائمة للانتقال الديمقراطي. فالتجارب التي عاشها المغرب أو البلدان المشابهة تبين أن أيّة تنمية اقتصادية لا يمكن أن تُستدام إن لم يواكبها تغيير في العقليات والسلوكيات يمكِّن من ضمان عمليات التنمية البشرية والاجتماعية التي تفضي إلى هذه التنمية الاقتصادية.

ولهذا فإن اقتراح اللقاءات العامة للثقافة بالمغرب يهتم، حسب الأولوية، بالخدمة العمومية أكثر مما يهتم بالصناعات الإبداعية. فالاهتمام يولى أولا لمهام الدولة في ما يخص القرب والتربية الفنية والتربية الشعبية والتكوين المهني … وكذا لدورها في ضبط السوق (وضعية الفنان وحقوق التأليف والحقوق المجاورة …)، وأيضا لتشجيعاتها ومساعداتها غير المباشرة للتجهيزات والمقاولات الثقافية، والمساعدة على البروز …

لا يهم الأمر هنا مناقشة تصورات أو مفاهيم الفن و/أو الثقافة، ولكن الأمر يهم تشخيص واقتراح سبل عمل تجعل الإنسان والمجتمع في صلب السياسات العمومية للتنمية. وتُعِد بذلك الأجيال القادمة لكي يكون أفرادها مواطنين وقادرين على العيش المشترك بطريقة أفضل.

الإطار

إن المذكرة التي بين أيديكم عبارة عن سرد يتكون من أربعة أجزاء تمثل جوهر هذه النسخة الثانية من اللقاءات العامة للثقافة ومن الورشة الثقافية التي جرت في المجازر القديمة لمدينة الدار البيضاء.

-عرض لما قاله السكان والجمعيات خلال لقاءات أيام الأربعاء التي نظمتها في جهات المغرب الاثنتي عشرة جمعيةُ جذور. هذه النسخة تتوجه إلى الجمعيات التي تشتغل حقا في القرب من الشباب والجماهير. نص عائشة نوري وريموند بنحايم.

-نتائج البحث حول الممارسات الثقافية عند المغاربة، الذي أنجزته جمعية جذور خلال سنة 2016، في الجهات الاثنتي عشرة من المغرب. تَوزَّع 24 باحثا، اثنان في كل جهة، بحثا عن معطيات تُمكّن من وضع صورة واقعية عن الممارسات الثقافية وخرجات الترفيه والقراءات العمومية والممارسات الهاوية … لقد كان تحليل وتحرير هذه النتائج ثمرة عمل جبار أنجزته عائشة نوري ومحمد سموني.

-تقييم السياسات الثقافية في المغرب الذي يقدَّم هنا ليس باعتباره رأيا إضافيا، ولكنه دعوة لكل واحد كي يُقيِّم هو نفسه الممارسات الثقافية، بتقديم وبتبسيط المؤشرات والمقاييس التي تُمكِّن من وضع هذا التقييم، وقد كان الرئيس “المبسِّط” هو عادل السعداني.

-إن التوصيات عبارة عن اقتراحات لسبل العمل حتى يكون العمل الثقافي نافعا للتنمية في بلدنا. تنمية بشرية لـ”إتمام” بناء المواطن، وتنمية اجتماعية لـ”إتمام” بناء المجال العمومي المتميز بالسكينة، والمحترِم والحر، وتنمية اقتصادية، وهو أمر إضافي، إن وقع التفاهم، لمحاولة ضمان شروط إحداث مناصب شغل انطلاقا من النشاط الثقافي. وكان الرئيس “الطوباوي” هو عادل السعداني.

ومجموع العمل سيرته تسييرا صارما دنيا بنسليمان، وأبدعت في صُوَره سارة الشاكلي ورجاء حمادي، وتتبعه وواكبه تتبعا رائعا المهدي أزدم وليلى الأنصاري وفانيلو تييري راندريامانانبي. وحوَّله عن مساره، بـ”روح الكياسة”، عادل السعداني، ويترأسه بصدر رحب رايموند راحاميم بنحايم.

كانت النسخة الأولى من اللقاءات العامة للثقافة تستهدف جمهورين، أصحاب القرار من خلال محاولة تزويدهم بأدوات تساعدهم على وضع سياستهم الثقافية، والفنانين حتى يكون بمقدرتهم أن ينتظموا وأن يبدعوا المزيد حتى يقدموا عرضا فنيا أوفر للجمهور. وتتوجه هذه النسخة الثانية للجمهور حتى يكون بمقدوره أن يتملَّك، معنا، الثقافة باعتبارها جزء من الحل!

التعليقات على الثقافة هي الحل مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…