المهدي الادريسي

لم يكن يخطر في بال ميشيل فوكو و هو يؤكّد أن القرن التاسع عشر كان “فخوراً ” بتلك السجون، القلاع التي كانت تبنيها السلطات عند ضواحي المدن وأحياناً داخلها حيث بدت تلك السجون أنها بديل “لطيف” للمقصلة السابقة من جهة، ووسيلة لمعاقبة “الروح” وليس الجسد من جهة أخرى، (لم يكن يخطر بباله) أنه ستكون هناك عقوبة للطحن داخل حاوية الازبال كبديل عن المحاكمة العادلة و الضمانات القضائية و العقوبات البديلة ذات المنزع الانساني حيث الابتعاد ما أمكن عن التعسّف وحماية قيم المجتمع وحقوق أفراده واستخراج الجرم من العقوبة والتخلص من العقاب البدني وتعويضه بالعقوبات المالية مثل الغرامات التصالحية والمصادرات ودمج عامل الزمن ضمن مدّة العقوبة، ومنع العقاب العلني العام، وظاهرة القصاص الجماعي وإخفاء عمليات التعذيب بإتباع “العقوبة السّريّة” وضمان استقلالية القضاء بما يضمن عدم التعرّض لحقوق الأفراد دون سند قانوني. وانتهاج مبدأ تفريد العقوبات الذي يقرر الجزاء المناسب لمرتكب الجريمة، ومراعاة الأسباب المؤدية إليها والفصل بين أنواع الجانحين طبقا لخطورتهم ودرجة تأصّل الجنوح في شخصيّتهم. .
و الحال أن تطور وسائل العقاب هو الوجه الاخر لتطور المجتمع و تقدمه، و كذلك هو المعبر عن بنية الدولة والسلطة. و هكذا نجد أن العقاب والتعذيب في الأنظمة التسلطية هو طقس منظّم من شأنه أن يظهر السلطة بمظهر القوّة حيث الحرق و الطحن و التذويب في المواد الحمضية و الاعدام في الاعياد و التمثيل بالجثمان ويحضر جسد المحكوم باعتباره قطعة أساسية في احتفال العقوبة العامة.
فعلى المتهم أن يظهر إدانته للعلن والإقرار بالجريمة التي ارتكبها عن طريق تحمّلها بدنيا، ومن هنا يساهم الحقل القانوني في إرساء علاقات الهيمنة لأنّ ” النظام القانوني والحقل القضائي يشكلان الأرضيّة الدائمة لعلاقات الهيمنة وتقنيات الإخضاع المتعدد الأشكال. لهذا نجد أنه من العادات السيئة التي ورثتها السلطة السياسية عن الأنظمة المطلقة تلك العادة التي تجعل من التعذيب غاية للتخويف و الضبط و للترهيب، لأن ما يهم ليس هو تنفيذ الحكم بل ترهيب الرعية من أجل أن تعيش الخوف المطلق.
لا يمكن إذن أن نجد إطارا للتفسير ما جرى لمحسن فكري خارج فلسفة و بنية سلطة تعتبر أن الرهبة تولد الطاعة والانصياع. ألم ينصح ميكيافيلي في كتابه الشهير الأمير بأن يحافظ على هيبته ؟؟

التعليقات على طحن مو.. الوجه الآخر للمراقبة والعقاب مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بايتاس معلقا على ندوة “البيجيدي”: لا يمكن مناقشة حصيلة حكومية لم تقدم بعد

اعتبر مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق ا…