سارة سوجار

يعيش المغرب حالة من الغليان السياسي بسبب بدءِ العد العكسي لانتخابات 7 اكتوبر، فكلما اقترب هذا الموعد أكثر كلما احتد الجدال والتنافس الذي لا يسلم في أحايين كثيرة من الأحقاد الايديولوجية المفرطة، حيث كل شيء مباح من أجل حصد أصوات قد لا تغير من واقع مغرب شيئا، بل من شأنها أن تغيِّب ذكاء المواطن بعدم تقديم عروض سياسية واضحة تبين بالوضوح التمايز المرجعي والسياسي في مشاريع الأحزاب السياسية.

وسط كل هذا الجدل، هناك محاولة لاستعمال ورقة اليسار وحركة 20 فبراير باعتبارهما مكونان أساسيان يتميزان بالمصداقية والوضوح، وكذلك بالتاريخ المشرف. وهذا ما يجعل منهما ورقة رابحة ولو رمزيا.

قبل الحديث عن اصطفاف هذه المكونات، يجب التذكير بأن اليسار المغربي كان دائما، ولا يزال، يعرف اختلافات وتقديرات بين مكوناته، ببساطة لأنه يصدر عن فكر نسبي قابل للتطور والنقد، فهو دائما في تفاعل مع واقعه يقدم الإجابات التكتيكية والاستراتيجية المناسبة، ولذلك فاختلاف التقديرات بين اليساريين، المستوعبين لعمق الفكرة اليسارية، هو أمر طبيعي وعادي في دورة التطور، ولا يخضع لمنطق التخوين أو التحريف بل لمنطق النقد والتحول والنسبية.

ولطالما دافع اليسار عن حرية الانتماء وحرية التموقف السياسي وعن الحق في الاختيارات الشخصية دون تمييز في ذلك  بين إسلامي، سلفي، او ليبرالي. لكن، واليسار يدافع عن حقوق هذه المكونات لم  يغيِّب يوما صراعه السياسي والإيديولوجي معها والمعارك التاريخية المفصلية في ذلك عديدة .

واليوم وهي يعيش مخاضا واختلافا بين مكوناتها، المقاطعة والمشاركة في الانتخابات والمتعاطفة مع مشروع فيدرالية اليسار والرافضة له… تعلن بعض الأصوات اليسارية الفردية إمكانية التصويت لحزب العدالة والتنمية كتصويت قد يغير موازين القوى لصالح الإصلاح الديمقراطي حسب تقدير هذه الفئة، وهو ما لا يمكن فهمه وتفسيره إلا في نفس إطار اختلاف التقديرات التكتيكية للمرحلة. لكن ما لا يجب الصمت عنه وتجاوزه هو خرجات بعض السياسيين للمزايدة واللعب بهذه الورقة ونحن في فترة انتخابات وكأن اليسار له ممثل شرعي وناطق رسمي وحيد، وكأن حركة 20 فبراير كتلة متجانسة وموحدة تصطف وراء زعيمها.

إن اليسار متعدد، وأعضاء 20 فبراير مازالوا أحياء ليعبروا عن آرائهم ومواقفهم بكل حرية خارج منطق القمع أو الحجر البوليسي والسياسي أو حتى الفكري، ويدافعوا عن بناء بيئة سياسية ديمقراطية غير متحكم فيها تضم الإسلامي، اليساري، الليبرالي… فتتنافس المشاريع بتكافؤ وحرية دون التماهي مع مشروع الاسلاميين والنيوليبراليين أو التخلي عن ممارسة الصراع السياسي والايديولوجي معها.

إن معركة البناء الديمقراطي تقتضي الحرص على شيئين أساسيين:

الأول، هو النضال من أجل توفير أرضية ديمقراطية تحترم فيها إرادة المواطن وتضمن حق الجميع في الوجود، وهذا البناء يجب أن يكون جماعيا مشتركا بعيدا عن كل شوفينية ايديولوجيا؛ فكما كان الدفاع عن حق العدل والإحسان والنهج الديمقراطي في ممارسة حقهما السياسي، سيكون الدفاع عن باقي المكونات السياسية في ضمان مساحتها الديمقراطية الكافية والتعبير عن اختياراتها بكل حرية شرطا لكل ممارسة ديمقراطية.

الثاني، هو ممارسة الصراع على أشده حول المشاريع السياسية والإيديولوجية والفرز والوضوح في العلاقة مع أعداء الديمقراطية والتقدم وذلك في إطار تخليق الحياة السياسية وتحريرها.

إن الدفاع اليوم عن خلق هذه البيئة السياسية هو معركة حاسمة لِلَجْمِ كل الفاعلين المتعاقبين على الحياة السياسية مهما كانت مرجعياتهم بالقيم الديمقراطية، وإلا فإننا سنجد أنفسنا عرضة للالتهام من طرف كل أنواع الاستبداد الذي قد يشرعن ديكتاتوريته الفكرية والسياسية وكذلك الاقتصادية باسم الدين، أو الشرعية التاريخية أو ضمان الاستقرار تحت مسمّى “الاستثناء المغربي”… وكلها أخطار لن تحقق في التقدم الديمقراطي شيئا قدر ما ستعيقه.

لكل ما سبق، فإن اليسار لا يمكن أن يصطف مع اختيارات تضرب الحق في الإضراب، مثلا، أو ترهن المغرب لمديونية تفرض عليه اختيارات لا شعبية وتعيد إنتاج نفس القوانين التي تضرب حق المرأة والحرية الشخصية…

كما أن الشرط الديمقراطي يبقى مطلبا شعبيا، ناضل عليه الكثيرون وقدمت لأجله تضحيات وصلت حد استشهاد الكثيرين، وبالتالي فلا يجب أن يضيع فقط بسب الأحقاد الايديولوجية أو بسبب الانتهازية المفرطة للبعض في التسلق السريع على شعارات عامة لا تحقق إلا المصالح الخاصة لؤلئك الانتهازيين المتياسرين أو المتلبرلين (من الليبرالية).

التعليقات على عن اليسار والإسلاميين وبناء الديمقراطية مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…