أجرى الحوار: سليمان الريسوني
كنت أحد المتدخلين في الوثائقي الذي بثته قناة “فرانس 3” يوم يوم 26 ماي 2016 عن ثروة الملك محمد السادس، وقد سبق لك رفقة فؤاد عبد المومني ونجيب أقصبي أن أصدرتم بيانا تقولون فيه: “لا نتراجع عما صرحنا به، ولكن وجبت الإشارة إلى أن مشاركتنا في هذا الوثائقي لا تعني اتفاقنا مع زاويته التحريرية”. هل تأكدت هواجسك وتوقعاتك بعد مشاهدتك الوثائقي كاملا؟
نعم، فما كنت متخوفا منه، عقب بث القناة ملخصا عن الوثائقي، ودفعني حينها لإصدار بيان رفقة فؤاد عبد المومني ونجيب أقصبي، هو الذي تأكد بالفعل، فالشريط كان عبارة عن محاكمة وصك اتهام للملك، ومن أجل بناء وتعضيد الاتهامات عاد القائمون على الشريط إلى طفولة الملك وقاموا بما يُشبه تحليلا لها لينتهوا إلى تقديم صورة للملك كشخص مستبد ومتلهف للمال.
ألم تساهم بدورك، عبر تصريحك الطويل بالشريط، في تكريس هذه الصورة؟
من خلال الحوار المطول الذي أجراه معي معد الوثائقي، والذي فاق الساعتين، حاولت أن أقدم نظرة متوازنة، فعلى المستوى السياسي، عبّرتُ عن قناعتي بأن المغرب إذا لم يكن بلدا ديمقراطيا، فلا يمكننا أن ننعته بالبلد الديكتاتوري المستبد الذي تنعدم فيه الحريات والحقوق. أما فيما يخص المصالح الاقتصادية والمالية للملك، فقد قلت بأنه كانت هناك مرحلة حدثت فيها انحرافات وهي المرحلة ما بين 2004 و2010، لكن هذه الانحرافات لم يسبق أن وصلت إلى المستوى الذي عرفته غينيا الاستوائية أو تونس في عهد بن علي. وبالإضافة إلى هذا أشرت في حواري الطويل، الذي تم التعامل معه بانتقائية، إلى أن الهوليدينغ الملكي انسحب منذ 2012 من العديد من القطاعات مثل الزيت والسكر والحليب، وقد تفاجأت عندما رأيت الرسم الحاسوبي (Infographie) التي تم تقديمه في الوثائقي عن شركات “كوزيمار” و”سونطرا ليتيير” و”لوسيور” دون الإشارة إلى أن هذه الشركات تم بيعها. هذا وحده يضرب مصداقية هذا الشريط. إلا أن مفاجأتي الكبيرة والصادمة، كانت عندما عرض الشريط صورة أحدهم يحمل لافتة صغيرة كتب عليها “M6 dégage” فأنا الذي عشت إلى جانب حركة 20 فبراير ليل نهار، وأعرف أدق تفاصيل هذه الحركة، كنت أقول بأنه إذا كان هناك من استثناء مغربي، فهو راجع، في جزء كبير منه، إلى حركة 20 فبراير التي لم يسبق أن مست بصورة الملك أو رفعت شعارات مناوئة له.
الوثائقي حاول البحث عن نوع من التوازن، بإعطاء الكلمة إلى أحد أصدقاء القصر الملكي أيضا. كيف وجدت تصريحاته؟
لقد استغربت كيف أن مُعدي الوثائقي لم يجدوا من يدافع عن النظام في المغرب سوى جاك لانغ (وزير الثقافة والتعليم الفرنسي الأسبق ورئيس معهد العالم العربي) الذي بدا في صورة من لا معرفة له بمجال حقوق الإنسان بالمغرب، وبالتالي لم تكن لكلامه أية قيمة.
جزء من تصريحك في هذا الشريط، تحدثت فيه عن الجيش المغربي وعن صفقة أبرمها ضباطه مع الحسن الثاني، وكان هذا التصريح محط انتقاد البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، ممن اعتبروه مسا بصورة هذه المؤسسة. ما ردك؟
المثال الذي قدمته عن صفقة تمت بين الحسن الثاني وضباط الجيش (جمع الثروة مقابل ترك السياسة) يعرفه ويتحدث عنه جميع المغاربة. وقد كانت هذه الصفقة بمثابة الحجر الأساس لمأسسة الفساد في المغرب، فالفساد انطلق حينئذ من الجيش ليعُمّ الاقتصاد والإدارة. لكن هذا لا يعني أنني اتهم كل الجيش بالرشوة والفساد، كما أنني لم أقل إن ضباط اليوم فاسدين، بل تحدثت عن ضباط الأمس.
إلى أي حد نجح هذا الوثائقي في إظهار المغرب في صورة ذلك البلد الهش، على الأقل بالنسبة للمشاهد الفرنكفوني الذي لا معرفة عميقة له بالمغرب؟
المغرب ليس هشّا. المغرب بلد بأعصاب متوترة، والثقافة تكرست فيه هي: إما معنا أو ضدّنا، فقد أصبح كل صاحب رأي مختلفٍ، وكل من ينتقد نظام الحكم أو السياسات العمومية، وإن بموضوعية، غير مرحّب به. فعقلية “معنا أو ضدنا” جعلت الدولة تعتبر جزءً لا بأس به من أبناء هذا البلد كما لو أنهم خونة وأعداء للوطن. الدولة تنظر إلى شباب 20 فبراير، وروح وأفكار 20 فبراير كأعداء وكروح شريرة، في حين أن لحظة 20 فبراير كانت من أجمل لحظات التاريخ المغربي الحديث. هذا أيضا ينطبق على الجمعيات الحقوقية التي تُحارب ويتم تقديمها كجهاز عميل لعدوّ خارجي. كما أن تيارات شعبية عريضة، مثل جماعة العدل والإحسان، تُقصى من الحياة السياسية، وأعضاءَها يحاربون يوميا حتى في حياتهم الخاصة، من قبيل تشميع بيوتهم. هناك أيضا حرب باردة تخوضها جهة داخل الدولة ضد الحزب الذي فاز بالانتخابات ويقود الحكومة. يحصل كل هذا في الوقت الذي يواجه فيه المغرب تهديدات خطيرة من طرف أعدائه الحقيقيين. لذلك أقول: لقد حان الوقت لتبدأ الدولة في التفريق بين المنتقدين وبين الخصوم. حان الوقت ليكون هناك صلح وطني على أساس قيم الديمقراطية.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…