الحبيب الشوباني

توفي يوم الأحد 12 فبراير 2017 الدكتور عبد اللطيف حسني رحمة الله عليه، ووري جثمانه الثرى في يوم ممطر وتم تأبينه بكلمات من بعض أصدقائه.. ولم أشأ أن أفعل مثل ذلك حول قبره اشفاقا على المشيعين الواقفين تحت المطر.
لكن علاقتي القصيرة زمنيا مع الفقيد تلزمني بهذه الشهادة في حقه رحمه الله…
عرفت الدكتور عبد اللطيف حسني من مسافتين مختلفتين: الأولى بعيدة، كما يعرفه كل من يقرأ مجلته الشهيرة “وجهة نظر”.. والثانية قريبة جدا، عندما جمعتنا أرضية قاعة للرياضة في حي “كيش لوداية ” بتمارة حيث نقطن معا. كنت يومها وزيرا عندما كنا نلتقي في الصباح الباكر في حصة تداريب رياضية مع ثلة من الأطر المختلفة المشارب والخبرات والاهتمامات.. كان من بينهم الصديق الدكتور علي السدجاري وآخرون من عيار محترم ومثمر في التعارف…
كان لافتا في بداية التماس مع هذا الفريق المتنوع أن الراحل عبد اللطيف حسني يحظى بميزتين اثنتين: فهو من جهة، رجل كثير الدعابة ولا يتوقف عن الكلام طيلة حصة الرياضة التي كانت تمتد لساعة كاملة دون أن يؤثر ذلك على لياقته البدنية أو نشاطه رغم تقدم سنه.. ومن جهة أخرى، كان “شيخا” للفريق ورئيسا له في مناخ من الأريحية والمودة التي كانت تطبع جو العلاقة مع رفاقه…
شكل التحاق “الوزير” بهذا الفريق في قاعة بسيطة من قاعات مدينة تمارة عنصر تنشيط وتفاعل باشره المرحوم عبد اللطيف بجرأته العلمية، وقفشاته الطريفة، وشخصيته البيضاوية المرحة، جاعلا من السياسة والحكومة وما يتعلق بهذا العالم مجالا ومدخلا للتفاعل الفكري والسياسي بالجرعة التي تلائم مناخ قاعة رياضية وحصة تداريب تتكرر ثلاث مرات في الأسبوع مع مدرب رفيع المستوى يجمع بين الصرامة في تنفيذ برنامج الحصة وبعض المرونة التي تقتضيها طبيعة هذا الفريق العجيب الذي لا مفر له من مزج الفكر بالرياضة!
في الأسابيع الأولى للتماس القريب مع المرحوم سي عبد اللطيف حصل التفاهم اللطيف بيننا أننا على اختلاف كبير في فهم ما يجري ويدور في عالم السياسة في الوطن.. لكن ذلك لم يمنع من تعمق صلات الود والاحترام والتقدير المتبادل بيننا، وهو ما مكن من تجاوز النقاش السياسي إلى قضايا الوجود الإنساني والفلسفة وما إلى ذلك.. وكنت حريصا من جهتي أن يكون سؤال المصير الإنساني الفردي بعد الموت حاضرا في النقاش.. حتى لا تنكسف هذه الحقيقة وراء الإغراق في بحث الفرد عن خلاص الجماعة..!
تطور النقاش وتعمق وكنت سعيدا أن بعض المغاليق التي واجهتها مع الفقيد بدأت تنحل بالتدريج.. وانتهت جولات طويلة من التفاعل الإنساني النبيل بيننا، وفي مناخ رفاقي ورياضي جميل، أن اقتنع الفقيد يربط علاقة تأملية جديدة مع القرآن ومن خلاله مع منزل القرآن.. كما قرر أن يجدد صلته بالمسجد الذي حكى لنا أنه لا يعرف عنه شيئا منذ ذكريات الطفولة البعيدة…
وفي ليلة من ليالي رمضان، منذ ثلاث سنوات خلت قبل وفاته رحمه الله، أذكر أنه جاء مزهوا وقد غمرته سعادة لم يشعر بها من قبل.. وشرع يحكي لنا كيف عاش أول ليلة من ليالي رمضان مع القرآن في “مسجد بريستيجيا” بحي الرياض بالرباط.. وبلغته الفلسفية وتأملاته الفكرية التي حركتها فيه هذه اللحظة الكبيرة في حياته.. حكى لنا عن عظمة خطاب القرآن.. وروعة المقرئين.. ورسالة المسجد… وأذكر أنه رحمه الله قال لي “لقد خصصت محرابا في بيتي للتأمل والتعبد”..!
بعد ذلك.. باعدت بيننا الأقدار.. ولم تزدد علاقتنا الإنسانية إلا مودة وتقديرا.. فزارني مع بعض أصدقاء الفريق الرياضي في جهة درعة تافيلالت حيث قضوا رحلة ممتعة حملتهم إلى رمال مرزوكة وجددنا خلالها صلات المودة والأخوة..
وعندما شاءت إرادة الله أن يبتلى سي عبد اللطيف بمرض السرطان.. أشهد أن علاقته بالقرآن توطدت.. وأن الفقيد كما رأيته بعد ذلك كان مؤمنا محتسبا..
أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته.. وأن يكتبه مع الفائزين برضوانه ومغفرته..
وجميل العزاء لأسرته وأصدقائه ومعارفه…
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

التعليقات على المرحوم عبد اللطيف حسني كما عرفته مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…