لطيفة البوحسيني

لعل التعاطف الكبير الذي لاقته “فيديرالية اليسار الديمقراطي” في الانتخابات الأخيرة من بين المعطيات التي لا يمكن للمتتبع والمحلل السياسي إلا أن يتوقف عندها.  ففي أقل من أسبوعين التف عدد من المثقفين والفنانين والفاعلين المدنيين وجزء من الشباب حول الفيديرالية، وعبروا عن دعمهم وسندهم للوائحها الانتخابية.

لا أتصور أن من عبر عن دعمه للفيدرالية كان يتوهم أنها ستحصد مقاعد كثيرة، بل يمكن القول أن من كان يتصور تمكنها من تشكيل فريق برلماني، كان واهما ومبالغا في توقعاته وغير مطلع على الوضع الحقيقي لهذا الإطار.

لذلك، وبالنظر إلى صعوبة الوضع الذي تعيشه مختلف مكونات اليسار، أتساءل هل يمكن أن نتحدث حقيقة عن فشل الفيديرالية؟ إذا كان كذلك، فهل هو فشل آني وظرفي مرتبط بتدبير اللحظة الانتخابية أم على العكس هو فشل بنيوي مرتبط بطبيعة المشروع المطروح بل وبحدوده وعدم قدرته على الاستجابة لتحديات المرحلة في مختلف مناحيها ومستوياتها؟

وإذا كان لابد من الإقرار بـ”الفشل”، ففي اعتقادي سيكون من السهل جدا التوقف عند عدد من نقاط الضعف في تدبير اللحظة الانتخابية التي حالت دون تحقيق عدد أكبر من المقاعد. وسنكون حينها بصدد ملامسة جوانب تقنية وتواصلية وتعبوية التي لو توفرت وتم الانتباه لها لما كانت الفيدرالية في الوضع الذي توجد عليه الآن.

لكن، ولأن الوضع أصعب وأعقد مما نتصور، يبدو لي شخصيا، أن محدودية النتائج المحصل عليها تسائل مشروع اليسار برمته والذي لم تشكل اللحظة الانتخابية إلا أحد تمظهرات أزمته العميقة.

إن اللحظة الانتخابية بما لها وعليها، أجلت بشكل قوي وجهي التناقض الذي يسم اليسار اليوم. فقد شكلت من جهة مناسبة كثفت بشكل صارخ التعبير عن الآمال التي لازال يعقدها جزء من المغاربة على مشروع اليسار وهي السمة الإيجابية التي لابد  من القبض عليها، كما أنها من جهة أخرى أبانت بشكل واضح عن حدود هذا المشروع، ودفعت أكثر من أي وقت مضى بسؤال عودة اليسار إلى الواجهة وبمختلف الأسئلة التي من الصعب التغاضي عن طرحها للجواب عن سؤال أي يسار نريد أو أي يسار ممكن في مغرب اليوم؟

ولأن الفيدرالية نجحت في أن تعبئ وتحرك البركة الجامدة حتى لا أقول الآسنة ونجحت في أن تجذب إليها يساريين من مختلف أطياف وتيارات اليسار، وكان لها الفضل في إيقاظ عدد منهم من سباتهم لتجعلهم يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فإليها يمكن التوجه وعلى خطوتها التنسيقية يمكن الرهان من أجل إطلاق مبادرة صياغة مشروع اليسار والبحث في طبيعته وشكله وأفقه وضرورات تجديده وحدود ممكناته.

سؤال عودة اليسار يطرح نفسه بقوة، خصوصا حينما نستحضر العراقيل الكثيرة والمتنوعة التي تقف حجر عثرة في وجه البناء الديمقراطي. لقد أثبت أعداء الديمقراطية في بلادنا أنهم بها متربصون، وأنهم لا يطمئنون للحد الأدنى مما تحقق، وأن التعبير الحر عن إرادة الشعب أمر يغيظهم بشدة، وأنهم مستعدون لاستعمال كل الوسائل الخسيسة للوقوف في وجه هذه الإرادة.

تحدي بناء الديمقراطية وهشاشة الوضع السياسي لبلدنا، تجعل الحاجة ماسة إلى اليسار. أقول قولي هذا، وأنا أستحضر حضور حزب “العدالة والتنمية” الذي لا يمكن البتة إنكار أنه أصبح اليوم تعبيرا سياسيا حقيقيا عن حساسية حقيقية موجودة في المجتمع المغربي. لذلك، أعتقد أن أي ديمقراطي حقيقي لا يمكنه تجاهل ذلك، بل لا يمكنه إنكار الحاجة إلى فاعلين سياسيين، بالضرورة مختلفين ومتقاطبين. فالديمقراطية هي فضاء تدبير الاختلافات الفكرية والأيديولوجية والسياسية.  و”العدالة والتنمية” نجح كحزب وكآلة تنظيمية في أن يشكل تعبيرا سياسيا لاتجاه يخترق المجتمع، وما على اليسار إلا أن يرفع التحدي وأن يكون التعبير الآخر على نقيض ما يمثله هذا الحزب.

من هذا المنطلق، أعتقد أن مشروعا بديلا يعبر عن تطلعات وطموحات شرائح واسعة من المغاربة أصبح ضروريا بل وملحا.

  • فكيف يمكن استثمار الحالة النفسية الإيجابية التي خلقتها الفيديرالية والبحث في سبل تجاوز الأزمة التي يمر منها؟
  • هل أزمة اليسار، أزمة سياسية أم فكرية أم تنظيمية؟
  • هل إعاقاته ذاتية أم موضوعية وما هي درجة ونسبة كل منها ؟
  • ما هي الخطوات التي يمكن القيام بها لتحصيل ورسملة منسوب التعاطف الذي تم التعبير عنه؟
  • كيف يمكن تحويل التعاطف إلى إرادةٍ للفعل واستعدادٍ فعلي وعملي لتحقيق خطوات البناء المستقبلي؟
  • هل الفيدرالية مستعدة لاحتضان فضاء نقاش واسع بين كل من عبر عن تعاطفه في قضايا تهم مستقبل اليسار؟
  • ما هي أوليات وأولويات النقاش؟
  • هل يمكن التفكير في المستقبل دون رصد الواقع الحالي وحدوده ثم التوقف عند نقاط القوة وخصوصا نقاط الضعف؟
  • إذا كانت مهمة التقييم تبدو جد صعبة، ويمكن أن تتحول إلى لحظة لسلخ الجلد وتصفية للحسابات.. أفلا يمكن تجنبا لذلك، الانطلاق من  محاولة الجواب عن سؤال بسيط وبديهي: لماذا لم يعد اليسار اليوم قادرا على تعبئة المغاربة حول قضايا حيوية تهم معيشهم اليومي؟
  • ما هي مستلزمات تجديد الفعل اليساري وإطلاق دينامية جديدة مستجيبة لمغرب اليوم ومتفاعلة مع التحولات الكبيرة التي تطبع مجتمعنا؟
  • ما هي الهوية الفكرية والسياسية ليسار الغد؟ وما هي المراجعات الضرورية التي تفرض نفسها؟

هذا غيض من فيض الأسئلة الكثيرة، التي لا يمكن صياغة أجوبة حولها إلا بالاستناد إلى التراكم المعرفي في مختلف المجالات، وكذا الانطلاق من قراءة نقدية لمختلف التجارب المتعددة والمتنوعة التي راكمها اليسار سواء ثقافيا، أو حقوقيا أو نقابيا أو تنمويا، والتي من شأنها أن تساعد في وضع حجر الأساس لبناء المستقبل.

لن تقوم قائمة لليسار غدا إذا لم ينطلق أولا من الاعتراف بكبواته بل وبأزمته العميقة والاشتغال بجدية من أجل رفع تحدي المستقبل ومعه الديمقراطية في وطننا.

هنا البدء، وفي المستقبل المنتهى وما بينهما لابد للذكاء الجماعي أن يعبر عن نفسه في الإمساك بمفاتيح اللحظة التاريخية للنهوض مجددا بالأدوار الطليعية التي تميز بها اليسار. فطالما هناك تناقضات اجتماعية وسياسية وثقافية فثَمَّ دور لليسار وثَم مهام تاريخية معلقة في انتظار عودة اليسار.

فهل أنتم عائدون أيتها المناضلات أيها المناضلون؟

 

 

 

التعليقات على فيدرالية اليسار الديمقراطي ومستقبل اليسار مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…