حسن أوريد

أجمع الملاحظون بأن الانتخابات المحلية التي جرت في بحر شهر يونيه لسنة 2052 الحالي بالمملكة الموريطانية المتحدة، تشكل حدثا غير مسبوق بانتخاب السيد جون بيير لا فوري عمدة على مدينة فاس، عن لائحة الأحرار الجدد، ضد غريمه مولاي علي الكتاني من لائحة المحافظين. فهي أول مرة يفوز فيها مرشح مسيحي بالمدينة التاريخية. وقد هنأ مولاي علي الكتاني غريمه واعترف بانتصاره وبقيادته لحملة ذكية. وحضرت وزيرة الداخلية سميرة منيب حفل تسلم المهام ما بين العمدة الخارج والعمدة الفائز.  و أدى العمدة المنتخب  اليمين الدستورية على الكتاب المقدس، وقد سبق للمحكمة الدستورية أن أجازت القسم على الكتاب المقدس بناء على مقتضيات دستور 21 فبراير الذي أقر حرية المعتقد.

وقد ألقى جون بيير لا فوري، في حفل استلام المهام، كلمة مؤثرة بالدارجة ثم بالأمازيغية، عن جذوره، منذ  جده الأول لافوري الذي اشتغل مع السلطان محمد الخامس، قبل أكثر من قرن، وانخرط في الخيالة بالجيش المغربي،  (هكذا كانت تسمى المملكة الموريطانية المتحدة سابقا قبل الوحدة الكونفدرالية مع موريطانيا الجنوبية)، وارتقى بها، وتوفي بالرباط ودُفن بها. وتشكل تلك الفترة الحلقة الأساسية في مسار أسرته التي اقترنت ببلادها وقدمت خدمات جليلة لها. وقد اعترف جون بيير لافوري بأنه مدين للثورة الثقافية التي عرفتها بلاده من خلال تبينها لكل مكوناتها، وإقرارها لحرية المعتقد، وإعادة الاعتبار لمكون les pieds noirs، وللحركة الفكرية ل”تيفاوين”.

على أن نجاح جون بيير لافوري  لا يُعزى لفشل غريمة في تدبير الملف البيئي، ولكن بانفتاحه  على الفئات المهمشة للمدينة وتقديمه لبرنامج طموح لإدماج الموريطانيين من أصول جنوب صحراوية الذين توافدوا على المدينة في الأربعينات، كما أن نجاحه كنائب برلماني في إعادة إدماج اليهود من أصول موريطانية، الآتين من إسرائيل،  أمام موجة العداء التي يتعرضون لها في الشرق الأوسط، حيث طغت موجة العداء للسامية،  وتقديمه لمقترح قانون حق العودة، جعل شرائح واسعة من الموريطانيين اليهود يصوتون لفائدته.  وتعتبر عودة الموريطانيين اليهود إلى بلادهم الأصلي حدثا مهما، و أحد العناصر التي جعلت فاس تعرف طفرة اقتصادية غير مسبوقة، بيد أن العمدة السابق لم يستطع، تحت ضغط حليفه حزب الجبهة الوطنية ذات التوجهات الشوفينية، أن يستجيب لتطلعاتهم. لقد انبنى حزب الجبهة الوطنية على خطاب عدائي ضد الموريطانيين من أصول جنوب صحراوية، ومن اليهود، باعتبارهم يشكلون خطورة على الهوية العربية الإسلامية. عدم فك مولاي علي الكتاني ارتباطه بحزب الجبهة الوطنية كان حاسما في فشله في الانتخابات الأخيرة، وتقدم حزب الأحرار الجدد الذي يقوده محند أمقران.

وحسب السيوسيولوجيا الانتخابية، فإن نجاح المرشح عن الأحرار الجدد يعود إلى ازدياد عدد الأقليات العرقية والدينية (تشكل نسبة  اليهود 12 في المائة من الكتلة الناخبة، والبهائيون 7 في المائة، و شرائح واسعة من الشيعية حيث يوجد مرقد الإمام إدريس، فضلا عن الغنوصيين الذي يصوتون لفائدة الأحرار الجدد)، ويضاف إلى ذلك نسبة من الموريطانيين من جنوب الصحراء، وكذا الأسبان، بعد الأزمة الاقتصادية التي عرفها الجار الشمالي ونزوح شرائح منها لموريطانيا الطنجية، واستقرارها بفاس، وبرنامج جون بيير لافوري في تسوية وضعيتها (يشارك الإسبان في الانتخابات المحلية رغم عدم حصولهم على الجنسية الموريطانية وقد وعد الحزب الحاكم بتسوية وضعيتهم أسوة بما أقدم عليه في مدينة سبتة).

وقد أعلن العمدة الحالي جون بيير لافوري عن مضامين برنامجه الثقافي بإقامة كرسي ابن رشد وابن ميمون بجامعة القرويين، كما شرع في الترتيبات اللازمة لمسطرة نزع ملكية دار ابن خلدون الذي سيقام بها متحف، ومركز للدراسات الإستراتيجية.

واعتبر في أول اجتماع له بمقر بلدية فاس بالبطحاء، أن التدبير المحلي ينبغي أن يتجاوز المقاربة الطائفية التي كانت سارية لفترة، كما أكد أنه عمدة للمدينة كلها، بكل مكوناتها، وقد حضر حفل إفطار نظمته جمعية محلية بمناسبة شهر رمضان. وعبر جون بيير لافوري عن تأثره لهذه الالتفاتة لمواطنيه من مرجعية عقدية مسلمة، ووعد برفع الدعم المخصص لها لعمليات تنظيم الإفطار الجماعي بالنسبة للمعوزين.

وحسب الملاحظين فإن الحدث لم يكن ليكون، لولا حركة الأحرار الجدد التي برزت إرهاصاتها مع الاحتقان الذي عرفته البلاد، في نهاية العشرية الثانية، وفشل .الطبقة السياسية آنذاك للاستجابة  لتطلعات شعبها، مما هيأ الفرصة لظهور حركة الأحرار الجدد التنويرية التي قطعت مع القوالب القائمة.

التعليقات على انتخاب مسيحي عمدة على مدينة فاس مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…