ملاحظة حول أزمة الأخلاق في المغرب

د. عبدالله الحلوي*

“لا تسرق” … هذا مبدأ أخلاقي كوني يتفق أغلب الناس على مصداقيته.
فهو المبدأ المؤسس لتجريم السرقة، والنشل، ونهب ممتلكات الغير، والإعتداء على حقوق الملكية الفكرية … هو أيضا المبدأ المؤسس للحق في استعادة الحقوق الهوياتية (الثقافية واللغوية مثلا).
لسانيا، تتكون صيغة هذا النوع من المبادئ الأخلاقية من أداة نفي (“لا”) والفعل المُراد تقبيحه أو النهي عنه أو تجريمه. هنا بالضبط تكمن المشكلة الأولى للمبادئ الأخلاقية: إنها تنهاك عمّا لا ينبغي فعله، ولكنها لا تكشف لك عمّا ينبغي فعله … أنا “لا أسرق” .. لكن هل سيرفعني “عدم سرقتي” إلى مقام أخلاقي أعلى إذا كنت لا أسرق بسبب جُبني، أو إذا كنت لا أسرق ولكني شديد البخل، أو لا أسرق سوى الأمور التي يعتبرها القانون سرقة ولا أجد أدنى مشكلة في الأمور الأخرى (كسرقة أموال الشعب بالتغيب عن العمل).
مبدأ “لا تسرق”، كجميع المبادئ الأخلاقية الكابحة للشر، مبدأ يصور الإنسان الذي لا نريده، ولكنه لا يصور الإنسان الذي نريده.
من أوجه ضعف المبادئ الكابحة أيضا أنها، بسبب سلبيتها (ابتداؤها ب “لا”)، لا تحمل أي قوة داخلية. فقد يعلم الفرد أن “السرقة” فعل محرم، وجريمة يعاقب عليها القانون، وعمل غير أخلاقي، .. ولكن علمه بهذا المبدأ لا يمنحه أية قوة داخلية لتطبيقه.
قارن هذا المبدأ مثلا مع فضيلة “الكرم”: الإنسان الكريم المِعطاء ليس كريما ومعطاءً لأنه يسعى لتطبيق مبدإ “الكرم” في الحياة، بل لأن لديه إحساسا بالأمان من جهة المستقبل وثقةً شبه إيمانية أن كل ما يعطيه سيخلف أضعافا مضاعفة. الإنسان الكريم هو أيضا إنسان يحب صناعة البسمة في أوجه الناس. بهذا المعنى، فإن مبدأ “الكرم” يحمل قوة داخلية تمكن المتحلّي بها من تطبيقها بشكل تلقائي لا تصنع فيه ولا تكلُّف: قوة الإحساس بالأمان، وقوة الرغبة العميقة في جعل الناس يبتسمون.
أزمة القيم في مغرب اليوم ليست مجرد أزمة تطبيق: تطبيق ما يتعلمونه من مبادئ أخلاقية (فنحن نعيش تُخمة في دعوة الناس إلى مكارم الأخلاق)، بل أزمة عدم منحهم ما يكفي من الحُبّ والإحساس بالأمان. لقد تحولنا إلى مجتمع يخاف فيه الجميع من الجميع، ويفقد فيه الجميع الثقة في الجميع.. إنها كلاب الخوف والكراهية التي تنبح في دواخلنا وتجرنا بدون إرادة إلى الشر والمزيد من الشر.

* أستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش تخصص أدب إنجليزي

التعليقات على كيف تحولنا إلى مجتمع يخاف فيه الجميع من الجميع؟! مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط انتقادات حقوقية

بالإجماع ودون اعتراض، تم انتخاب السعودية الأربعاء (27 مارس) لرئاسة لجنة وضع المرأة. وسيشغل…