“كيف أصبحت هكذا”

كل إنسان له اختيارات في الحياة، ولكل اختيار من هذه الاختيارات حكاية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، ويحضر فيها أشخاص ووقائع وكتب ومواقف… وتغيب تفاصيلها عن الناس حتى يعتقد بعضهم أن الكاتب أو المبدع ولد بكامل الوعي والإبداع الذي عرفه به الناس، أو أن الإسلامي ولد إسلاميا واليساري يساريا…

مع القيادية بحزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بالدار البيضاء: حسناء أبو زيد

إعداد: علي جوات

 

كيف انتميت لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟ 

أولا شهر مبارك تقبل الله فيه الصيام والقيام لنا ولكم ولكافة المسلمين .
أن تكون يسارياً ليس بالضرورة عبر الانخراط في مشروع قائم أو حزب مرخص يقول باليسارية، بل فلسفة وعقيدة لا تخضع إلا لميزان العقل وروح التحديث ومبادئ الكرامة والأخلاق. بمعنى أن اليسار يسكن في القلوب التي يروضها الضمير، وبمعنى أيضا أن في داخل كل واحد منا يساري ينبعث داخله بشكل أو بآخر. اليسارية هي في اعتقادي سلوك شخصي قبل أن يكون مفاهيم ومبادئ فقط.
بالنسبة للانتماء التنظيمي لحزب الاتحاد الاشتراكي فقد كان سنة 2005، ومثلت منطقة كلميم في المجلس الوطني للنساء الاتحاديات سنة 2006 في المؤتمر الخامس. أما الانتماء الفكري والإنساني وربما هذا الذي يعنيني أكثر، فلا أعرف له تاريخاً محدداً، كل ما أذكر أن فكرة التحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، شكلت حافزاً نفسيا بالنسبة لي قبل أي شيء آخر.
أذكر أنني في عمر العاشرة وفي السنة الخامسة ابتدائي، قدت حِراكاً تلاميذياً داخل الصف، وأقنعت زملائي الصغار أننا لا نتلقى بالشكل المناسب درس التاريخ نظرا لولعي بالتاريخ ونحن في سنة إشهادية .
وتطوعت لأداء المهمة “الخطيرة” التحررية وهي أخذ الكلمة وإخبار معلمنا أننا لا نستوعب بالشكل المطلوب درس التاريخ خلافا للأقسام الأخرى. عوقبت على المبادرة لكنني اكتسبت شجاعة المصارحة.
وطبع هذا السلوك محطات متعددة منذ طفولتي، وربما كان سببا في إطلاق والدي علي تسمية :حقوق الإنسان .
ترعرعت داخل أسرة سياسية، جدي القايد دحمان بن بيروك مؤسس جيش التحرير في كلميم وأيضا معارض سياسته وتجاوزاته ضد الصحراويين بعد ذلك في الجنوب، وقبلها اعتقل وهو قائد منطقة وادنون بعد رفضه التوقيع على عزل محمد الخامس ووقع على عريضة محمد بلعربي العلوي، وهو من استقبل مجاهدي القبائل الصحراوية القادمة من الجنوب هو أيضا حامل الرسالة الملكية في لقاء بوخشيبية في الجنوب، عضو المجلس الوطني التأسيسي وعضو أول برلمان سنة 1963، كما كان والدي عضو الكشفية الاستقلالية وإلى جانب الفتية الذين أطلقوا التظاهرات في كلميم والمناطق المجاورة وبعد ذلك عضو مجلس النواب هو أيضا، باسم حزب الحركة الشعبية.
ولازلت أتساءل اليوم عن احتفاء والدتي التي تعرف القراءة والكتابة رغم عدم ولوجها للمدرسة النظامية بكتب حزب البعث آنذاك وعن تمجيدها للشهيد بن بركة، وروايتها لحكايات بطولات المقاومين.
ترعرعت في محيط مسيس، أعمامي وأخوالي وأصهارنا ذاكرة حقيقية متحركة للزمن السياسي المركزي والصحراوي، في مختلف مراحله بأفراحه وأتراحه. ربما منذ أول زيارة للسلطان الحسن الأول نهاية القرن التاسع عشر لمنطقة وادنون مروراً بمرحلة السيبة ومرحلة الاستعمار وبعدها الاستقلال وما تلاه وصولاً لمرحلة نزاع الصحراء.
لذلك فأولى البوادر التحررية هي عدم انخراطي في الحزب العائلي واقتناعي بحزب يعتبر امتداداً لحركات التحرر الوطني ويصبو لتحقيق الديمقراطية ويؤمن بالعدالة الاجتماعية عبر المشروع الاشتراكي.. هذا مآل طبيعي لهذا التراكم .
كما أؤكد على ممارسة زوجي علي سالم للعمل السياسي من خلال أولا الحزب الاشتراكي الديمقراطي وبعدها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حفزني على الانخراط الفعلي.
أريد أن أؤكد على أثر دراستي في الجمهورية التونسية ما بين 1993 و1999، في مرحلة صعبة عاشها الشعب التونسي، إذ صادفت سنة ولوجي كلية الصيدلة وطب الأسنان بالمنستير سنة القمع النهائي وقتل الحركة الطلابية بشكل نهائي، فوجدنا الكلية بدون أنشطة طلابية وبدون حركة طلابية، فقط ذكريات مؤلمة لقياديين موقوفين أو مرسبين، وما استوقفني ربما هو إصرار اليساريين على الاستمرار في النضال من أجل الديمقراطية ومقاومة النقابيين لمخططات تفجير النقابة كما أثرت فيَّ قوة الجبهة الحداثية وتجذرها الطبيعي في المجتمع التونسي الذي يشكل نموذجا ذكيا في صناعة التطور وبناء المناعة.
الانتماء في اعتقادي عقيدة أركانها الأخلاق والنزاهة والمصداقية والاستيعاب العقلاني للمشروع وليس بطاقة انخراط تجدد كل سنة أو شعارات لا تُعكس في السلوك، كما أنه ليس مناورات تكتيكية للبقاء في قمرة قيادة معزولة عن الشعب وعن المفكرين وعن القضايا العادلة.

ماهي الكتب التي قرأتها وساهمت في أن تكوني كما أنت عليه الأن؟

أنا تلقيت تكوينا علميا تقنيا ربما بالمنظور الكلاسيكي، رياضيات فيزياء وعلوم طبيعية، بعدها أكملت دراستي بكلية الصيدلة وطب الأسنان بكلية المنستير، أنجزت ماستر في إدارة الأعمال ، لكن أذكر أنني استفدت كثيراً من كرم والدي الحاج عبد القادر ولد دحمان، فأذكر أنه كان يحثنا على القراءة وكان يجازي من يطالع الكتب، فقرأت كتبا كثيرة في عمر الطفولة والمراهقة، طه حسين، عباس العقاد، فيكتور هيغو، المختار السوسي، نجيب محفوظ، وكتاب كثر من موريتانيا. وكتب حزب البعث. يوسف ادريس .. كما تصفحت بعض كتب سيد قطب. وزينب الغزالي، قرأت بعض كتب الفقه التي لم أكن أفهمها، وقرأت كتابات نزار قباني النثرية وأشعاره … لكني اخترت طواعية ..عالم إحسان عبد القدوس.. قرأت فيه وجه الزمن المعطوب وحكايات النساء والرجال وقصص الحب الغريب.. قرأت فيه الثورة والرغبة والعقل والجسد… والروح، أقرأ أيضا للمفكرين المغاربة وأجد متعة في قراءة سي محمد عابد الجابري، العروي، اقرأ بمتعة كبيرة لكمال عبد اللطيف وأتابع باهتمام إصدارات حسن أوريد.
وبعدها ذهبت باختيار مسؤول لعوالم ماركس وهيجل وفيبر وغيرهم من منظري الانسانية أتلمس فيها استيعابا مختلفا للزمن الإنساني، ولا أخفي انبهاراً متجدداً وأسئلة تتشكل .
أريد أن أقول أنه ليست كتب اليساريين من تجعلك يساريا، بل تكوين الشخصية والحس النقدي ومدى القدرة على الانحناء أمام ثلاثية العقل الضمير والأخلاق.

التعليقات على حسناء أبوزيد: أبي كان يلقبني بـ”حقوق الإنسان” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. الحكم على “مومو” ب 4 أشهر نافذة 

قضت المحكمة الزجرية الابتدائية بعين السبع، اليوم الثلاثاء، بأربعة أشهر نافذة في حق محمد بو…